كان واجبا فى ملتهم على أهل القرية إطعامهما، ولم يعلم موسى أنه لا جدوى من النكير عليهم ولو كان أغضى على ذلك منهم لكان أحسن.
فلمّا أقام الخضر جدارهم ولم يطلب عليه أجرا لم يقل موسى إنك قمت بمحظور، ولكنه قال له:«لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» أي إن لم تأخذ بسببك فلو أخذت بسببنا لكان أخذك خيرا لنا من تركك ذلك، ولئن وجب حقّهم فلم أخللت بحقنا؟
ويقال إنّ سفره ذلك كان سفر تأديب فردّ إلى تحمّل المشقة، وإلّا فهو حين سقى لبنات شعيب فإنّ ما أصابه من التعب وما كان فيه من الجوع كان أكثر «١» ، ولكنه كان فى ذلك الوقت محمولا وفى هذا الوقت متحمّلا. فلما قال موسى هذا قال له الخضر:
[[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٨]]
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)
أي بعد هذا فلا صحبة بيننا.
ويقال قال الخضر إنّك نبيّ.. وإنما أؤاخذك بما قلت، فأنت شرطت هذا الشرط وقلت: إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبنى وإنما أعاملك بقولك.
ويقال لمّا لم يصبر موسى معه فى ترك السؤال لم يصبر الخضر أيضا معه فى إدامة الصحبة فاختار الفراق.
ويقال ما دام موسى عليه السلام سأله لأجل الغير- فى أمر السفينة التي كانت للمساكين، وقتل النّفس بغير حق- لم يفارقه الخضر، فلمّا صار فى الثالثة إلى القول فيما كان فيه حظّ لنفسه من طلب الطعام ابتلى بالفرقة، فقال الخضر:«هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ» .
ويقال كما أن موسى- عليه السلام- كان يحب صحبة الخضر لما له فى ذلك من غرض الاستزادة من العلم فإن الخضر كان يحب ترك صحبة موسى عليه السلام إيثارا للخلوة بالله عن المخلوقين.
(١) ومع ذلك لم يطلب اجرا، ولم يفكر في ذلك البتة.. لأنه كان بحق الله ولكنه فى هذا الموقف كان متكلفا، فهو يفكر بحظ نفسه، ولذا فكر فى الأجر وطلب الطعام.