الآية مثل الكافر فى كفره كالأعمى والأصم، ومثل المؤمن فى إيمانه كالسميع والبصير- هذا بيان التفسير.
والإشارة فيه أن الأعمى من عمى عن الإبصار بسرّه، والأصمّ الذي طرش بسمع قلبه فلا باستدلاله شهد سر تقديره فى أفعاله، ولا بنور فراسة توهم ما وقف عليه من مكاشفات الغيب لقلبه، ولا بسمع القبول استجاب لدواعى الشريعة، ولا بحكم الإنصاف انقاد لما يتوجّب عليه من مطالبات الوقت مما يلوح لسرّه من تلويحات الحقيقة.
وأما البصير فهو الذي يشهد من الحق أفعاله بعلم اليقين، ويشهد صفاته بعين اليقين، ويشهد ذاته بحق اليقين، والغائبات له حضور، والمستورات له كشف. فالذى يسمع فصفته ألا يسمع هواجس النّفس ولا وساوس الشيطان فيسمع من دواعى العلم شرعا، ثم من خواطر التعريف قدرا، ثم يكاشف بخطاب من الحق سرّا «١» فهؤلاء لا يستويان، ولا فى طريق يلتقيان:
كان نوح عليه السلام أطول الأنبياء عمرا وأشدّهم بلاء، وسمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه.. وسبب ذلك أنه مرّ بكلب فقال: ما أقبحه! فأوحى الله إليه أن اخلق أنت أحسن من هذا. فأخذ يبكى وينوح على نفسه كلّ ذلك النّوح. فكيف بحال من لم يذكر يوما مما مضى من عمره فى مدة تكليفه- ولم يحصل منه لله كثير من ولاية!؟
(١) تفيد هذه الإشارة فى بيان أحكام «السماع» عند الصوفية.