للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يتخلل أوقاتك نفس لحظّك دون القيام بحقه، ومن فسادك فى الأرض ساعة تجرى عليك ولم تره فيها. ألا إن ذلك هو الخسران المبين، والمحنة العظمة، والرزية الكبرى.

قوله جل ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨]]

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)

هذه كلمة تعجيب وتعظيم لما فيه العبد، أي لا ينبغى مع ظهور الآيات أن يجنح إلى الكفر قلبه.

ويقال تعرّف إلى الخلق بلوائح دلالاته، ولوامع آياته. فقال: «وَكُنْتُمْ أَمْواتاً» يعنى نطفة، أجزاؤها متساوية، «فَأَحْياكُمْ» : بشرا اختصّ بعض أجزاء النطفة بكونه عظما، وبعضها بكونه لحما، وبعضها بكونه شعرا، وبعضها بكونه جلدا ... إلى غير ذلك.

«ثُمَّ يُمِيتُكُمْ» بأن يجعلكم عظاما ورفاتا، «ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» بأن يحشركم بعد ما صرتم أمواتا، «ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أي إلى ما سبق به حكم من السعادة والشقاوة.

ويقال «كُنْتُمْ أَمْواتاً» بجهلكم عنّا، «فَأَحْياكُمْ» بمعرفتكم بنا، «ثُمَّ يُمِيتُكُمْ» عن شواهدكم، «ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» به بأن يأخذكم عنكم، «ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أي بحفظ أحكام الشرع بإجراء الحق «١» .

ويقال «كُنْتُمْ أَمْواتاً» لبقاء نفوسكم فأحياكم بفناء نفوسكم ثم يميتكم عنكم عن شهود ذلك لئلا تلاحظوه فيفسد عليكم، ثم يحييكم بأن يأخذكم عنكم ثم إليه ترجعون بتقلبكم فى قبضته سبحانه وتعالى.

ويقال يحبس عليهم الأحوال فلا حياة بالدوام ولا فناء بالكلية، كلّما قالوا هذه حياة- وبيناهم كذلك- إذ أدال عليهم فأفناهم، فإذا صاروا إلى الفناء أثبتهم وأبقاهم، فهم أبدا بين نفى وإثبات، وبين بقاء وفناء، وبين صحو ومحو ... كذلك جرت سنته سبحانه معهم.


(١) وردت (بأجزاء) وهى خطأ قطعا.
والمقصود بإجراء الحق هنا هو ما سبق ان نوّهنا به فى هامش سابق عن حالة الفرق الثاني حيث «يرد العبد إلى الصحو عند اوقات أداء الفرائض ليجرى عليه الفرائض فى أوقاتها فيكون رجوعا لله بالله.
فالحق مجرى أفعاله وأحواله عليه» الرسالة ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>