ذلك ما يرون عليهم من غبار الرد وأمارات البعد، وهى مما لا يخفى على ذى عينين، فيقولون لهم: هل يغني عنكم ما ركنتم إليه من أباطيلكم، وسكنتم إليه من فاسد ظنونكم، وباطل تأويلكم؟ فشاهدوا- اليوم- تخصيص الحق لمن ظننتم أنهم ضعفاؤكم، وانظروا هل يغنى عنكم الذين زعمتم أنهم أولياؤكم وشركاؤكم؟
دلّت الآية على أن من أواخر ما يبقى على الإنسان الأكل والشرب فإنهم فى تلك العقوبات الشديدة يقع عليهم الجوع والعطش حتى يتضرعون كلّ ذلك التضرع فيطلبون شربة ماء أو لقمة طعام وهم فى غاية الآلام، والعادة- اليوم- أن من كان فى ألم شديد لا يأكل ولا يشرب، وهذا شديد.
ثم أبصر كيف لا يسقيهم قطرة- مع استغنائه عن تعذيبهم، وقدرته على أن يعطيهم ما يريدون! ولكنه قهر الربوبية وعزّ الأحدية، وأنه فعّال لما يريد. فكما لم يرزقهم- اليوم- من عرفانه ذرة، لا يسقيهم غدا فى تلك الأحوال قطرة، وفى معناه أنشدوا:
وأقسمن لا يسقيننا- الدهر- قطرة ... ولو فجّرت من أرضهن بحور
ويقال إنما يطلبون الماء ليبكوا به بعد ما نفدت دموعهم، وفى هذا المعنى قيل:
يا نازحا نزفت دمعى قطيعته ... هب لى من الدمع ما أبكى عليك به.