للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما عرفوه حقّ معرفته «١» ، وما وصفوه حقّ وصفه، وما عظّموه حقّ تعظيمه فمن اتصف بتمثيل، أو جنح إلى تعطيل «٢» حاد عن السّنّة المثلى وانحرف عن الطريقة الحسنى. وصفوا الحقّ بالأعضاء، وتوهّموا في نعته الأجزاء، فما قدروه حقّ قدره فالخلق في قبضة قدرته، والسماوات مطويات بيمينه، ويمينه قدرته «٣» . ولأنه أقسم أن يفنى السماوات ويطويها فهو قادر على ذلك.

«سُبْحانَهُ وَتَعالى» تنزيها له عما أشركوا في وصفه.

قوله جل ذكره:

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦٨]]

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)

فى النفخة الأولى تموتون، ثم في النفخة الثانية تحشرون، والنفختان متجانستان ولكنه يخلق عند إحداهما إزهاق الأرواح، وفي الأخرى حياة النفوس ليعلم أن النفخة لا تعمل شيئا لعينها «٤» ، وإنما الجبّار بقدرته يخلق ما يشاء.

قوله جل ذكره:

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦٩]]

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩)


(١) أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع والأرضين على أصبع والشجرة على أصبع والثرى على أصبع! فضحك رسول الله (ص) حتى بدت نواجذه، فأنزل الله تعالى: «وما قدروا الله حق قدره» (الواحدي ص ٢٥٠) .
(٢) (التعطيل على ثلاثة أقسام: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه، وتعطيل الصانع- سبحانه- عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله، وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.. ومن هذا شرك طائفة أهل وحده الوجود الذين يقولون ما ثم خالق ولا مخلوق (الجواب الكافي ص ٩٠ لابن القيم ط التقدم) .
(٣) نحسب أن من دواعى التأويل أن الله سبحانه وتعالى قد يخاطبنا عن ذاته وصفاته بما نتخاطب به فيما بيننا حتى نفهم، والآية تشير إلى ذلك في وضوح فقد عبر عن قدرته مرة بالقبضة ومرة باليمين، ومعنى هذا أن الله يقدر على قبض الأرض وجميع ما فيها قدرة أحدنا على ما يحمل بأصبعه.
(٤) كلام القشيري عن تجانس النفختين واختلاف تأثيريهما، ثم كلامه بعد قليل عن تجانس السوقين واختلاف وجهتيهما.. مقصود منه- كما نظن- أن القياس الإنسانى ليس دائما على صواب، مثال ذلك قوله تعالى: «مطويات بيمينه» ، ونسبة الوجه واليد والعين.. ونحو ذلك لله سبحانه ليس بالضرورة أن يكون على نحو ما يفهم الإنسان من هذه الماديات، فالكلمة هي الكلمة.. ولكن شتان بين الدلالة هنا والدلالة هناك.. والله أعلم بمقصود القشيري..
ولكن هكذا نظن.

<<  <  ج: ص:  >  >>