طال البلاء ببني إسرائيل من جهة فرعون، فتدراكهم الحقّ سبحانه ولو بعد حين، بذلك أجرى سنّته أنه يرخى عنان الظالم، ولكن إذا أخذه فإنّ أخذه أليم.
قوله جل ذكره: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ من شرط التكليف التمكين بالبيّنة والآية للرسول حتى يتّضّح ما يدلّ على صدقه فيما يدعو إليه من النبوة. ثم إن تلك الآية وتلك البيّنة ما نفعتهم، وإنما تأكدت بهما عليهم الحجّة فإذا عمى بصر القلب فأنّى تنفع بصيرة الحجة؟ وفى معناه قالوا:
وفى نظر الصادي إلى الماء حسرة ... إذا كان ممنوعا سبيل الموارد
قوله جل ذكره: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إنما يتّبع الهدى من كحلّ قلبه بنور العرفان، فأما من كانت على قلبه غشاوة الجهل..
ما بعث الله نبيا إلّا وقد نذر قومه بالعذاب على ترك الأمر، وبشّرهم بالثواب على حفظ الأمر. والعذاب معجّل ومؤجّل فمؤجّله لا يوقف على تفصيله الأعداء، وكذلك مؤجّل الثواب، قال تعالى:«فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ»«١» .
وأما معجّل العقوبة فأنواع، وعلى حسب مقام المرء تتوجّه عليه المطالبات، والزيادة فى العقوبة تدلّ على زيادة استحقاق الرّتبة كالحرّ والعبد فى الحدّ. وقسوة القلب نوع عقوبة، وما يتداخل الطاعة نوع عقوبة، وخسران نصيب فى المال والأنفس نوع عقوبة..