رفع الله الجناح والحرج فى الانتفاع بما لا يستضرّ به صاحبه بغير إذنه كدخول أرض للداخل فيها أغراض لقضاء حاجته- ولا يجد طريقا غير ذلك- إذا لم يكن فى دخوله ضرر على صاحبها، وجرى هذا مجرى الاستظلال بظلّ حائط إذا لم يكن قاعدا فى ملكه، وكالنظر فى المرآة المنصوبة فى جدار غيره.. وكل هذا إنما يستباح بالشرع دون قضية العقل- على ما توهمه قوم.
: «يَغُضُّوا» : من أبصار الظواهر عن المحرّمات، ومن أبصار القلوب عن الفكر الرّدّية، ومن تصوّر الغائبات عن المعاينة»
، ولقد قالوا: إنّ العين سبب الحين، وفى معناه أنشدوا:
وأنت إذا أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك- يوما- أتعبتك المناظر
وقالوا: من أرسل طرفه اقتضى حتفه.
وإن النظر إلى الأشياء بالبصر يوجب تفرقة القلوب.
ويقال إن العدوّ إبليس يقول: قوسى القديم وسهمى الذي لا يخطىء النظر. وأرباب
(١) ربما يقصد القشيري أن ينهى عن إقحام فكرة النظر بالعين فى الأمور الغيبية، وبمعنى آخر النهى عن إخضاع كل شىء للحس، فطبيعة الغيبيات تختلف عن ذلك وإلا كنت كمن يحاول عبور الماء فوق جواد، أو يعبر اليابسة وهو فى سفينة- على حد تعبير جلال الدين الرومي فى سياق مماثل.