مواضع سرّه، والنفوس خزائن توفيقه، والقلوب خزائن تحقيقه، واللسان خزانة ذكره.
ويقال من عرف أن خزائن الأشياء عند الله تقاصرت خطاه عن التردد على منازل الناس فى طلب الإرفاق منهم، وسعى فى الآفاق فى طلب الأرزاق منها، قاطعا أمله عن الخلق، مفردا قلبه لله متجردا عن التعلّق بغير الله.
قوله: «وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» : عرف القسمة من استراح عن كدّ الطلب فإنّ المعلوم لا يتغير، والمقسوم لا يزيد ولا ينقص، وإذا لم يجب عليه شىء لأحد فبقدرته على إجابة العبد إلى طلبته لا يتوجب عليه شىء.
ويقال أراح قلوب الفقراء من تحمّل المنّة من الأغنياء مما يعطونهم، وأراح الأغنياء من مطالبة الفقراء منهم شيئا، فليس للفقير صرف القلب عن الله سبحانه إلى مخلوق واعتقاد منّة لأحد، إذ الملك كله لله، والأمر بيد الله، ولا قادر على الإبداع إلا الله.
قوله جل ذكره:
[[سورة الحجر (١٥) : آية ٢٢]]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢)
كما أن الرياح فى الآفاق مقدّمات المطر كذلك الآمال فى القلوب، وما يقرب العبد مما يتوارد على قلبه من مبشرات الخواطر، ونسيم النجاة فى الطلب يحصل، فيستروح القلب إليه قبل حصول المأمول من الكفاية واللطف.
قوله جل ذكره: فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أسقاه إذا جعل له السّقيا كذلك يجعل الحق- سبحانه- لأوليائه ألطافا معلومة فى أوقات محدودة! كما قال فى وصف أهل الجنة: «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» .
كذلك يجعل من شراب القلوب لكلّ وردا معلوما، ثم قضايا ذلك تختلف:
فمن شراب يسكر، ومن شراب يحضر، ومن شراب يزيل الإحساس، كما قيل:
فصحوك من لفظى هو الصحو كله ... وسكرك من لحظى يبيح لك الشّربا
ويقال إذا هبت رياح التوحيد على الأسرار كنست آثار البشرية، فلا للأغيار فيها أثر، ولا عن الخلائق لهم خبر.