ويقال الطالبون فى نوح رهبتهم، والواصلون فى روح قربتهم، والموحّدون فى محو غيبتهم استولت عليهم الحقائق فلا لهم تطلع لوقت مستأنف فيستفزهم خوف أو يجرفهم طمع، ولا لهم إحساس فتملكهم لذة إذ لمّا «١» اصطلموا ببواده ما ملكهم فهم عنهم محو، والغالب عليهم سواهم.
لا يرضون فى أعمالهم بإخلال، ولا يتصفون بجمع مال من غير حلال، ولا يعرّجون فى أوطان التقصير بحال، أولئك الذين صفتهم ألا يكون للشريعة عليهم نكير، ولا لهم عن أحكام الحقيقة مقيل.
ف «هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا» أي حققوا حقا وصدقوا صدقا. ويقال حق لهم ذلك حقا.
قوله:«لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ» على حسب ما أهّلهم له من الرّتب فبسابق قسمته لهم استوجبوها، ثم بصادق خدمتهم- حين وفّقهم لها- بلغوها.
ولهم مغفرة فى المآل، والسّتر فى الحال لأكابرهم فالمغفرة الستر، والحق سبحانه يستر مثالب العاصين ولا يفضحهم لئلا يحجبوا عن مأمول أفضالهم، ويستر مناقب العارفين عليهم لئلا يعجبوا بأعمالهم وأحوالهم، وفرق بين ستر وستر، وشتّان ما هما! وأمّا الرزق الكريم فيحتمل أنه الذي يعطيه من حيث لا يحتسب، ويحتمل أنه الذي لا ينقص بإجرامهم، ويحتمل أنه ما لا يشغلهم بوجوده عن شهود الرزاق، ويحتمل أنه رزق الأسرار بما يكون استقلالها به من المكاشفات.