إذا أنعم العبد نظره في استواء قدّه وقامته، واستكمال عقله وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به في جوارحه وحوائجه، ثم فكّر فيما عداه من الدواب فى أجزائها وأعضائها.. ثم وقف على اختصاص وامتياز بنى آدم من بين البريّة من الحيوانات في الفهم والعقل والتمييز والعلم، ثم في الإيمان والعرفان ووجوه خصائص أهل الصفوة من هذه الطائفة في فنون الإحسان- عرف تخصّصهم بمناقبهم، وانفرادهم بفضائلهم، فاستيقن أن الله كرّمهم، وعلى كثير من المخلوقات قدّمهم.
جعل الله العلوم الدينية كسبية مصحّحة بالدلائل، محقّقة بالشواهد. فمن لم يستبصر بها زلّت قدمه عن الصراط المستقيم «١» ، ووقع في عذاب الجحيم فاليوم في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد.
(١) فى هذا ردّ على من يزعمون أن الصوفية يتنكرون العلوم الكسبية فهى كما هو واضح ذات أهمية قصوى في تثبيت الإيمان. هذا في الوقت الذي يقر القشيري بالعلوم الوهبية كما يتضح من الهامش رقم (٢) فى الصفحة التالية.