للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الإحفاء» الإلحاح في المسألة ... وهذا إنما يقوله لمن لم يوق شحّ نفسه، فأمّا الإخوان ومن علت رتبتهم في باب حرية القلب فلا يسامحون في استيفاء ذرّة، ويطالبون ببذل الرّوح، والتزام الغرامات.

قوله جل ذكره:

[[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٨]]

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)

البخل منع الواجب، وإذا بخل فإنما يبخل عن نفسه لأنه لو لم يفعل ذلك لحصل له الثراء- هكذا يظن.

قوله جل ذكره: «وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ» .

«غنى» بنفسه على قول، وغنيّ بوصفه على القول الثاني «١» . وغناه كونه لا تتقيد مراداته. أمّا العبد فهو فقير بنفسه لأنه لا يستغنى عن مولاه فى الابتداء منذ خلقه إلى الانتهاء، وهو في دوام الأوقات مفتقر إلى مولاه.

والفقير الصادق من يشهد افتقاره إلى الله. وصدق الفقير في شهود فقره إلى الله. ومن افتقر إلى الله استغنى بالله، ومن افتقر إلى غير الله وقع في الذّلّ والهوان.

ويقال: الله غنيّ عن طاعتكم، وأنتم الفقراء إلى رحمته.

ويقال: الله غنيّ لا يحتاج إليكم، وأنتم الفقراء لأنكم لا بديل لكم عنه.

قوله جل ذكره: «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ» .

يستبدل قوما غيركم يكونون أشدّ منكم طاعة، وأصدق منكم وفاء فهو قادر على خلق أمثالكم ثم لا يكونون أمثالكم في العصيان والإعراض وترك الشكر والوفاء ...

بل سيكونون خيرا منكم.


(١) أي يمكن أن تكون من صفات الذات أو من صفات الفعل انظر «الغني» فى كتاب «التحبير في التذكير» للإمام القشيري تحقيق د. بسيونى.

<<  <  ج: ص:  >  >>