للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما الظن بالتخصيص بمعرفة أسماء الحق سبحانه؟ ما الذي يوجب لمن أكرم به؟

ويقال خصوصية الملائكة بالتسبيح والتقديس وهذه طاعات تليق بالمخلوقين فإنّ الطاعة سمة العبيد ولا تتعداهم، والعلم فى الجملة صفة مدح يجب فى نعت الحق سبحانه واجبا لا يصحّ لغيره، فالذى يكرمه بما يتصف هو سبحانه (بيانه وإن كان للمساواة أتم من الكرام بما يكون مخلوقا على جنس المخلوقات) «١» .

ويقال أكرمه فى السر بما علّمه ثم بيّن تخصيصه يوم الجهر وقدّمه. ويقال قوله: «ثُمَّ عَرَضَهُمْ» ثم: حرف تراخ ومهلة.. إمّا على آدم فإنه أمهله من الوقت ما تقرر ذلك فى قلبه، وتحقق المعلوم له بحقه ثم حينئذ استخبره عما تحقّق به واستيقنه. وإمّا على الملائكة فقال لهم على وجه الوهلة: «أَنْبِئُونِي» فلمّا لم يتقدم لهم تعريف تحيّروا، ولمّا تقدم لآدم التعليم أجاب وأخبر، ونطق وأفلح، إظهارا لعنايته السابقة- سبحانه- بشأنه.

وقوله: «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» فيه إشارة إلى أنهم تعرّضوا لدعوى الخصوصية، والفضيلة والمزية على آدم، فعرّفهم أن الفضل ليس بتقديم تسبيحهم لكنه فى قديم تخصيصه. ولمّا علم الحقّ سبحانه تقاصر علومهم عن معرفة أسماء المخلوقات ثم كلّفهم الإنباء عنها صار فيه أوضح دلالة على أنّ الأمر أمره، والحكم حكمه، فله تكليف المستطيع، ردا على من توهّم أن أحكام الحق سبحانه معلّلة باستحسان أرباب الغفلة بما يدعونه من قضايا العقول، لا بل له أن يلزم ما يشاء لمن يشاء، الحسن ما حكم بتحسينه والقبيح ما حكم بتقبيحه «٢» .

قوله جلّ ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٢]]

قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)

قدّموا الثناء على ذكر ما اعتذروا به، ونزّهوا حقيقة حكمه عن أن يكون يعرض وهم المعترضون «٣» ، يعنى لا علم لنا بما سألتنا عنه، ولا يتوجّه عليك لوم فى تكليف العاجز


(١) هكذا جاءت العبارة فى ص وهى لا تخلو من غموض ولكننا آثرنا عدم التدخل فى إصلاحها نظرا لخطورة الموقف الذي تصفه، ونرجح أن الناسخ مخطئ فى نقله.
(٢) يغمز القشيري هنا بالمعتزلة الذين يقيسون الأفعال الإلهية بمقاييس إنسانية عقلية (ولكنهم نزهوا الله من حيث العقل فأخطأوا ونزهه الصوفية من حيث العلم فأصابوا) الرسالة ص ٢٩.
(٣) وردت (المعترضين) ، ويعرض هنا مضارع عرض فى الآية السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>