للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الظاهر رفع السماء فأعلاها، والأرض من تحتها دحاها، وخلق فيها بحارا، وأجرى أنهارا، وأنبت أشجارا، وأثبت لها أنوارا وأزهارا، وأمطر من السماء ماء مدرارا. وأخرج من الثمرات أصنافا، ونوّع لها أوصافا، وأفرد لكلّ منها طعما مخصوصا، ولإدراكه وقتا معلوما.

وأمّا فى الباطن فسماء القلوب زيّنها بمصابيح العقول، وأطلع فيها شمس التوحيد، وقمر العرفان. ومرج فى القلوب بحرى الخوف والرجاء، وجعل بينهما برزخا لا يبغيان فلا الخوف يقلب الرجاء ولا الرجاء يقلب الخوف، كما جاء فى الخبر: «لو وزنا لاعتدلا» «١» - هذا لعوام المؤمنين، فأمّا الخواص فالقبض والبسط، ولخاص الخاص فالهيبة والأنس والبقاء والفناء.

وسخّر لهم الفلك فى هذه البحار ليعبروها بالسلامة، وهى فلك التوفيق والعصمة، وسفينة الأنوار والحفظ. وكذلك ليالى الطلب للمريدين، وليالى الطرب لأهل الأنس من المحبين، وليالى الحرب «٢» للتائبين، وكذلك نهار العارفين باستغنائهم عن سراج العلم عند متوع نهار اليقين.

قوله جل ذكره:

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣٤]]

وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)

ما سمت إليه هممكم، وتعلّق به سؤالكم، وخطر تحقيق ذلك ببالكم، أنلناكم


(١) أورده السراج فى لمعه ص ٩١ (قال صلى الله عليه وسلم: لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا)
(٢) ربما يقصد القشيري بالحرب هنا جهاد التائب مع نفسه، وإظهار الحزن والتأسف.

<<  <  ج: ص:  >  >>