للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدّم الله- سبحانه- اسم الله فى هذا المحل على اسميه الرحمن والرحيم على وجه البيان والحكم، فبرحمته الدنيوية وصل العبد إلى معرفته الإلهية.

والإشارة من الباء- التي هى حرف التضمين والإلصاق- إلى أنّ «به» عرف من عرف، وبه وقف من وقف فالواصل إليه محمول بإحسانه، والواقف دونه مربوط بخذلانه.

قوله جل ذكره:

[[سورة يوسف (١٢) : آية ١]]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١)

التخاطب بالحروف المتفرقة غير المنظومة سنّة الأحباب فى ستر المحابّ فالقرآن- وإن كان المقصود منه الإيضاح والبيان- ففيه تلويح وتصريح، ومفصّل ومجمل، قال قائلهم:

أبكى إلى الشرق إن كانت منازلكم ... مما يلى الغرب خوف القيل والقال

ويقال وقفت فهوم الخلق عن الوقوف على أسراره فيما خاطب به حبيبه- صلى الله عليه وسلم، فهم تعبدوا به وآمنوا به على الجملة ولكنه أفرد الحبيب بفهمه، فهو سرّ الحبيب عليه السلام بحيث لا يطلع عليه الرقيب، يقول قائلهم:

بين المحبين سرّ ليس يفشيه ... قول، ولا قلم للخلق يحكيه

وفى إنزال هذه الحروف المقطعة إشارة: وهى أنّ من كان بالعقل والصحو استنبط من اللفظ اليسير كثيرا من المعاني، ومن كان بالغيبة والمحو يسمع الكثير فلا يفهم منه اليسير ذاك لكمال عقله وهذا لتمام وصله فأنزل الله هذه الحروف التي لا سبيل إلى الوقوف على معانيها، ليكون للأحباب فرجة حينما لا يقفون على معانيها بعدم السبيل إليها فلا تتوجه عليهم مطالبة بالفهم، وكان ذلك لائقا بأحوالهم إذا كانوا مستغرقين فى عين الجمع، ولذا قيل:

استراح من العقل له «١» .

وقوله تعالى: «تِلْكَ» يحتمل أن يكون إشارة إلى أن هذا خبر الوعد الذي وعدناك.


(١) هكذا فى (ص) ونرجح أنها (استراح من لا عقل له) والعقل هنا معناه الوعى.

<<  <  ج: ص:  >  >>