الأمر لم ينفعهم تضرعهم وبكاؤهم، ولم تقبل منهم صدقتهم وفداؤهم، وندموا حين لا ندامة، وجزعوا بعد ما عدموا السلامة.
ويقال:«وَاسْتَفْتَحُوا» : بغير الرسل، ولما وجد الرسل إصرار قومهم سألوا النصرة عليهم من الله كقول نوح- عليه السلام:«رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» ، وقول موسى عليه السلام:«رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ»«١» فأجابهم الله بإهلاكهم.
لفظ «وراء» يقع على ما بين يديه وعلى ما خلف، والوراء ما توارى عليك أي استتر يريد هذا الكافر يأتيه العذاب فيما بين يديه من الزمان، وعلى ما خلفه أي لأجل ما سلف من الماضي من قبيح أفعاله، ويسقى من النار ما يشربه جرعة بعد جرعة، فلصعوبته ومرارته لا يشربه مرة واحدة.
قوله جل ذكره: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ يرى العذاب- من شدته- فى كل عضو، وفى كل وقت، وفى كل مكان. وليس ذلك الموت لأنّ أهل النار لا يموتون، ولكنه فى الشدة كالموت. ثم «مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ» : وهو الخلود فى النار، وهذا جزاء من اغترّ بأيام قلائل ساعدته المشيئة فيها، وانخدع فلم يشعر بما يليها.