للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنوار العقول نجوم وهى للشياطين رجوم، وللعلوم «١» أقمار وهى أنوار واستبصار، وللمعارف شموس ولها على أسرار العارفين طلوع، كما قيل:

إنّ شمس النهار تغرب بالليل ... وشمس القلوب ليست تغيب

وكما أن فى السماء كوكبين شمسا وقمرا الشمس أبدا بضيائها، والقمر فى الزيادة والنقصان يستر بمحاقه ثم يكمل حتى يصير بدرا بنعت إشراقه، ثم يأخذ فى النقص إلى أن لا يبقى شىء منه لتمام امتحاقه، ثم يعود جديدا، وكل ليلة يجد مزيدا، فإذا صار بدرا تماما، لم يجد أكثر من ليلة لكماله مقاما، ثم يأخذ فى النقصان إلى أن يخفى شخصه ويتمّ نقصه.

كذلك من النّاس من هو متردّد بين قبضه وبسطه، وصحوه ومحوه، وذهابه وإيابه لا فناء فيستريح، ولا بقاء له دوام صحيح، وقيل:

كلّما قلت قد دنا حلّ قيدى ... كبلّونى فأوثقوا المسمارا

قوله جل ذكره:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٦]]

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)

اختصّ النهار بضيائه، وانفرد الليل بظلمائه، من غير استيجاب لذلك، ومن غير استحقاق عقاب لهذا، وفى هذا دليل على أنّ الردّ والقبول، والمنع والوصول، ليست معلولة بسبب، ولا حاصلة بأمر مكتسب كلّا.. إنها إرادة ومشيئة، وحكم وقضية.

النهار وقت حضور أهل الغفلة فى أوطان كسبهم، ووقت أرباب القربة والوصلة لانفرادهم بشهود ربّهم، قال قائلهم:

هو الشمس، إلا أنّ للشمس غيبة ... وهذا الذي نعنيه ليس يغيب

والليل لأحد شخصين: أمّا للمحبّ قوقت النّجوى، وأمّا للعاصى فبثّ الشكوى.


(١) وردت (العموم) وهى خطأ فى النسخ إذ المقصود نوع من المقابلة بين (العلوم) والمعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>