إنما سلطانه على الذين هم فى غطاء غفلهم، وسر ظنونهم ومشتبهاتهم فأمّا أصحاب التوحيد فإنهم يرون الحادثات بالله ظهورها، ومن الله ابتداؤها، وإلى الله مآلها وانتهاؤها.
ما ازدادوا فى طول مدتهم إلا شكا على شك، وجحدا على جحد، وجروا على منهاجهم فى التكذيب، فلم يصدّقوه صلى الله عليه وسلم، وما زادوا فى ولايته إلا شكا ومرية:
وكذا الملول إذا أراد قطيعة ... ملّ الوصال وقال كان وكانا
قوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ: ردّ على فرط جهلهم بربهم، وبعد رتبتهم عن التحصيل، فلمّا كانوا متفرقين فى شهود الملك ردّوا فى حين التعريف إليهم بذكر الملك.
لم يستوحش الرسول- صلى الله عليه وسلم- من تكذيبهم، وخفاء حاله وقدره عليهم.. وأىّ ضرر يلحق من كانت مع السلطان مجالسته إذا خفيت على الأخسّ من الرعية حالته؟
ثم إنه أقام الحجة فى الردّ عليهم حيث قال:«لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» : فمن فرط جهلهم توهموا أنّ هذا القرآن- الذي عجز كافة الخلق