للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال الفرق بين من قام بالعلم وبين من قام بالحق أنّ العلماء يعرفون الشيء أولا ثم يعلمون بعلمهم، وأصحاب الحقّ يجرى عليهم بحكم التصريف شىء لا علم لهم به على التفصيل، وبعد ذلك يكشف لهم وجهه، وربما يجرى على ألسنتهم شىء لا يدرون وجهه، ثم بعد فراغهم من النطق به يظهر لقلوبهم برهان ما قالوه، ودليل ما نطقوا به من شواهد العلم «١» .

قوله: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ ... » هذه أمانة الحق- سبحانه- عند العبد، وقد تقدم فى بابها بما أوضحته ببراهين الشريعة.

ومن استعمل هذه الجوارح فى الطاعات، وصانها عن استعمالها فى المخالفات فقد سلّم الأمانة على وصف السلامة، واستحق المدح والكرامة. ومن دنّسها بالمخالفات فقد ظهرت عليه الخيانة، واستوجب الملامة.

قوله جل ذكره:

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٧]]

وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧)

الخيلاء والتجبّر، والمدح والتكبّر- كل ذلك نتائج الغيبة عن الذكر، والحجبة عن شهود الحقّ فإنّ الله إذا تجلّى لشىء خشع له- بذلك ورد الخبر. فأمّا فى حال حضور القلب واستيلاء الذكر وسلطان الشهود. فالقلب مطرق، وحكم الهيبة غالب. ونعت المدح وصفة الزّهو وأسباب التفرقة- كل ذلك ساقط.

والناس- فى الخلاص من صفة التكبر- أصناف: فأصحاب الاعتبار إذ عرفوا أنهم مخلوقون من نطفة أمشاج، وما تحمله أبدانهم مما يترشح من مسامهم من بقايا طعامهم وشرابهم..

تعلو هممهم عن التضييق والتدنيق «٢» ، ويبعد عن قلوبهم قيام أخطار للأشياء، ولا يخطر على داخلهم إلا ما يزيل عنهم التكبر، وينزع عنهم لباس التجبّر.


(١) من هذه الوصية وما جاء بعدها يتضح رأى القشيري فى التفرقة بين المعرفة عند أرباب العلوم والمعرفة عند أرباب الحقائق، ويذهب القشيري فى «رسالته» إلى أن باستطاعة كبار شيوخ أهل هذه الطريقة أن يفتوا في مسائل الفقه إفتاء يعتدّ به حتى لو كان أحدهم أميا (أنظر الرسالة ص ١٩٨ وقصة شيبان الراعي مع الشافعي وابن حنبل) .
(٢) دنّق البخيل بالغ فى التضييق فى النفقة

<<  <  ج: ص:  >  >>