للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ردّهم فى جميع أحوالهم إلى مشاهدة ما منّ الحقّ في قسمى النفع والدفع، وحالتى العسر واليسر، والزّكى «١» من الله، والنّعمى من الله، والآلاء من الله، قال تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» .

قوله جل ذكره:

[[سورة النور (٢٤) : آية ٢٢]]

وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)

تحرّك فى أبى بكر عرق من البشرية فى وصف الانتقام من مسطح «٢» حين شرع وخاض فى ذلك الحديث، وكان فى رفق أبى بكر فقطع عنه ذلك، وأخبر به الرسول- صلى الله عليه وسلم- وانتظر الأمر من الله فى ذلك، فأنزل الله تعالى: «وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ..» فلم يرض من الصديق رضى الله عنه أن يتحرك فيه عرق من الأحكام النفسية والمطالبات البشرية، فأعاد أبو بكر له ما كان يفعله فى ماضى أيامه. والإحسان إلى المحسن مكافأة، وإلى من لا يسىء ولا يحسن فضل، وإلى الجاني فتوّة وكرم «٣» ، وفى معناه أنشدوا:

وما رضوا بالعفو عن كلّ زلة ... حتى أنالوا كفّه وأفادوا

قوله: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا» : العفو والصفح بمعنى، فكررهما تأكيدا.

ويقال العفو فى الأفعال، والصفح فى جنايات القلوب «٤» .


(١) الزكي والزكاء- النماء والزيادة، وزكى الشيء- أصلحه وظهره.
(٢) مسطح ابن خالة أبى بكر، وكان مسكينا، بدريا مهاجرا، كان ينفق عليه أبو بكر، فلما قرأ الرسول عليه الآية قال: بلى: أحب أن يغفر الله لى، ورد إلى مسطح نفقته رغم ما خاض فى عائشة رضى الله عنها.
(٣) يمكن أن يضاف هذا الشاهد إلى الباب الذي عقده القشيري «للفتوة» في رسالته.
(٤) نعرف عن القشيري أنه لا يتحمس كثيرا للقول بأن بالقرآن تكرارا، لأجل ذلك نراه يسرع إلى التمييز بين العفو والصفح عقيب ذكره أنهما بمعنى. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>