لم يجدد إليهم رسولا إلا ازدادوا نفورا، ولم ينزّل عليهم خطابا إلا ردّوه جحدا وتكذيبا، وما زدناهم فصلا إلا عدوّه هزلا، وما جددنا لهم نعمة إلا فعلوا ما استوجبوا نقمة، فكان الذي أكرمناهم به محنة بها بلوناهم.. وهذه صفة من أساء مع الله خلقه، وخسر عند الله حقّه.
عميت بصائرهم وغامت أفهامهم، فهم فى غباوة لا يستبصرون، وفى أكنة عمّا أقيم لهم من البرهان فهم لا يعلمون.
قوله:«وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ... » لمّا عجزوا عن معارضته، وسقطوا عند التحدي، وظهرت عليهم حجّته رجّموا فيه الفكر، وقسّموا فيه الظن فمرة نسبوه إلى السحر، ومرة وصفوه بقول الشعر، ومرة رموه بالجنون وفنون من العيوب. وقبل ذلك كانوا يقولون عنه:
هو محمد الأمين، كما قيل:
أشاعوا لنا فى الحىّ أشنع قصة ... وكانوا لنا سلما فصاروا لنا حربا
الأقاويل التي يسمعها الحقّ- سبحانه- مختلفة فمن خطاب بعضهم مع بعض، ومن بعضهم مع الحق. والذين يخاطبون الحقّ: فمن سائل يسأل الدنيا، ومن داع يطلب كرائم العقبي، ومن مثن يثنى على الله لا يقصد شيئا من الدنيا والعقبى.
ويقال يسمع أنين المذنبين سرا عن الخلق حذرا أن يفتضحوا، ويسمع مناجاة العابدين بنعت التسبيح إذا تهجدوا، ويسمع شكوى المحبين إذا مسّتهم البرحاء «١» فضجّوا من شدة الاشتياق.