للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرّفهم كمال قدرته بدلالات خلقه، فسمك السماء وأمسكها بلا عمد، وركّب أجزاءها غير مستعين بأحد في خلقها، وبالنجوم زيّنها، ومن استراق سمع الشياطين حصّنها، وبغير تعليم معلّم أحكمها وأتقنها.

«ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ؟» : لا ترى فيما خلق تفاوتا ينافى آثار الحكمة ولا يدل على كمال القدرة.

ويقال: ما ترى فيها تفاوتا، فى استغنائه عن الجميع.. ما ترى فيها تفاوتا في الخلق فخلق الكثير واليسير عنده سيّان، فلا يسهل عنده القليل ولا يشقّ عليه الكثير لأنه متنزّه عن السهولة عليه ولحوق المشقة به.

فأنعم النظر، وكرّر السّبر والفكر.. فلن تجد فيها عيبا «١» ولا في عزّه قصورا.

قوله جل ذكره:

[[سورة الملك (٦٧) : آية ٥]]

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥)

زيّن السماء بالكواكب والنجوم، وزيّن قلوب أوليائه بأنواع من الأنوار والنجوم فالمؤمنون قلوبهم مزيّنة بالتصديق والإيمان ثم بالتحقيق بتأمّل البرهان، ثم بالتوفيق لطلب البيان. والعارفون قلوبهم مزيّنة بشمس التوحيد، وأرواحهم مزيّنة بأنوار التفريد، وأسرارهم مزينة بآثار التجريد «٢» .. وعلى القياس: لكلّ طائفة أنوار.

«وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ» : فمن النجوم ما هو للشياطين رجوم، ومنها ما هو للاهتداء به معلوم.. فأخبر أن هذا القدر من العقوبة بواسطة الرجوم لا يكفى، وإنما يعذّبهم مؤبّدين في السعير.


(١) هكذا في م وهي في ص (عبثا) .
(٢) يميز الكلاباذى بين التفريد والتجريد فيقول (ملخصا) :
التجريد: أن يتجرد بظاهره عن الأعراض وبباطنه عن الأعواض، يفعل ذلك لوجوب حقّ الله تعالى لا لعلة غيره ولا لسبب سواه، ويتجرد بسره عن المقامات والأحوال التي ينازلها.
والتفريد: أن ينفرد عن الأشكال، وينفرد في الأحوال، ويتوحد في الأفعال ويغيب عن رؤية أحواله برؤية محوّلها ولا بأنس بأشكاله ولا يستوحش (التعرف ص ١٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>