الرخص جعلت للمستضعفين، فأما الأقوياء فأمرهم الجدّ، والأخذ بالاحتياط والتضييق إذ لا شغل لهم سوى القيام بحق الحق، فإن كان أمر الظاهر يشغلهم عن مراعاة القلوب فالآخذ فى الأمور الظاهرة بالسهولة والأخف أولى من الاستقصاء فيما يمنع من مراعاة السر، لأنه ترك بعض الأمور لما هو الأهم والأجلّ، فمن نزلت درجته عن الأخذ بالأوثق والأحوط فمباح له الانحدار إلى وصف الترخص «١» .
ثم قال فى آخر الآية:«وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ» : يعنى على مقاساة ما فيه الشدة، وفى هذا نوع استمالة للعبيد حيث لم يقل اصبروا بل قال:«وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ» .
لما عرّف النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وأمّته أخبار من مضى من الأمم، وما عملوا، وما عاملهم به انتظروا ما الذي يفعل بهم فإن فيهم أيضا من ارتكب ما لا يجوز، فقالوا: ليت شعرنا بأيّ نوع يعاملنا ... أبا لخسف أو بالمسخ أو بالعذاب أو بماذا؟
فقال تعالى:«وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» نعرّفكم ما الذي عملنا بهم.
(١) القاعدة «أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه» ولكن القشيري يرى بالنسبة لأرباب الأحوال أن (الرخصة فى الشريعة للمستضعفين واصحاب الحوائج والأشغال، وهؤلاء الطائفة (الصوفية) ليس لهم شغل سوى القيام بحقه سبحانه، ولهذا قيل إذا انحطّ الفقير عن درجة الحقيقة إلى رخصة الشريعة فقد فسخ عقده مع الله تعالى، ونقض عهده فيما بينه وبينه سبحانه) الرسالة ص ١٩٩.