فى الإمهال ولا يمنعه من الاستنظار فالمؤمن- إذ أمره الاستغفار والسؤال بوصف الافتقار- أولى ألا يقنط من رحمته، لأنّ إنظار اللعين زيادة شقاء له لا تحقيق عطاء.
قوله جل ذكره:
[[سورة الحجر (١٥) : آية ٣٩]]
قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩)
الباء فى: «بِما أَغْوَيْتَنِي» باء القسم، ولم يكن إغواؤه إياه مما يجب أن يقسم به لولا فرط جهله. ثم هو فى المعنى صحيح، لأنّ الإغواء مما يتفرّد الحق بالقدرة عليه، ولا يشاركه فيه أحد، ولكنّ اللّعين لا يعرف الله على الحقيقة، إذ لو عرفه لم يدع إلى الضلال، لأنه لو قدر على إضلال غيره لا ستبقى على الهداية نفسه. وعند أهل التحقيق إنه يقول جميع ذلك حدسا وهو لم يعرف الله- على الحقيقة- قطّ.
قوله جل ذكره:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١)
الإخلاص هو تصفية الأعمال عن الغين وعن الآفات المانعة من صالح الأعمال وقد علم اللعين أنه لا سبيل له إليهم بالإغواء لمّا تحقق من عناية الحقّ بشأنهم.
«قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ» تهديد، كما تقول: افعل ما شئت.. وهذا طريقى.
قوله جل ذكره:
[[سورة الحجر (١٥) : آية ٤٢]]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢)
السلطان الحجة، وهى لله على خلقه، وليس للعدوّ حجة على مخلوق، إذ لا تتعدّى مقدرته محلّه، فلا تسلّط- فى الحقيقة «١» - لمخلوق على مخلوق بالتأثير فيه.
«إِنَّ عِبادِي ... » : إذا سمى الله واحدا عبدا فهو من جملة الخواص، فإذا أضافه إلى نفسه فهو خاص الخاص، وهم الذين محاهم عن شواهدهم، وحفظهم وصانهم عن أسباب التفرقة
(١) نلاحظ أن القشيري يكثر فى هذا الموضوع من قوله (في الحقيقة، وعلى الحقيقة ... ونحو ذلك) والسبب فى ذلك راجع إلى أن ظاهر النصوص أن لابليس إرادة وفعلا، ولكن- فى الحقيقة- كل شىء مرده إلى الحق سبحانه.