للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله جل ذكره:

[[سورة طه (٢٠) : آية ٨٢]]

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)

الغفّار كثير المغفرة فمنك التوبة عن زلّة واحدة ومنه المغفرة لذنوب كثيرة، ومنه السّرّية التي لا اطلاع لأحد غيره عليها وما للملائكة عليها اطلاع. وهو يغفر لمن عمل مثل عملك، وهو يغفر لمن قلبك مريد له بالخير والنعمة، وكما قالوا.

إنى- على جفواتها- فبربّها ... وبكل متّصل بها متوسّل

وأحبّها وأحبّ منزلها الذي ... نزلت به وأحبّ أهل المنزل

قوله «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ» : فلا تصحّ التوبة إلا لمن يكون مؤمنا.

وقوله هنا: «وَآمَنَ» : أي آمن فى المآل كما هو مؤمن فى الحال.

ويقال آمن بأنه ليست نجاته بتوبته وبإيمانه وطاعته، إنما نجاته برحمته.

ويقال «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ» : من الزّلّة «وَآمَنَ» : فلم ير أعماله من نفسه، وآمن بأن جميع الحوادث من الحقّ- سبحانه- «وَعَمِلَ صالِحاً» : فلم يخلّ بالفرائض ثم اهتدى للسّنّة والجماعة «١» .

ويقال «ثُمَّ» : للتراخى أي آمن فى الحال «ثُمَّ» اهتدى فى المآل.

ويقال من سمع منه «وَإِنِّي» لا يقول بعد ذلك: «إِنِّي» «٢» ويقال من شغله سماع قوله: «وَإِنِّي» استهلك فى استيلاء ما غلب عليه من ضياء القربة، فإذا جاءت «لَغَفَّارٌ» صار فيه بعين المحو، ولم يتعلق بذنوب أصحابه وأقاربه وكل من يعتنى بشأنه.

ويقال «إِنِّي لَغَفَّارٌ» كثير المغفرة لمن تاب مرة فيغفر له أنواعا من ذنوبه التي لم يتب منها سرّها وجهرها، صغيرها وكبيرها، وما يتذكر منها وما لا يتذكر. ولا ينبغى أن يقول:


(١) واضح حرص القشيري السنى على التمسك بسنيته- وهذا أصل ثابت فى مذهبه سواء فى علم الكلام أو فى علم التصوف.
(٢) فالتوحيد الصادق إسقاط الياءات ونفى كل دعوى للنفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>