فكان في أول أمره يطلب الاستعفاء من النبوة، ولكن لم يعف، ثم استقبله ما استقبله، فلم يلبث حتى رأى نفسه في بطن الحوت في الظلمة: - «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ» أي بما يلام عليه، والحقّ- سبحانه- منزّه عن الحيف في حكمه إذ الخلق خلقه، ثم الله راعى حقّ تعبّده، وحفظ ذمام ما سلف له في أداء حقّه فقال: - «فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» فإن كرم العهد فينا من الإيمان، وهو منّا من جملة الإحسان، «فالمؤمن قد أخذ من الله خلقا حسنا» - بذلك ورد الخبر.
«فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ»«سَقِيمٌ» : فى ضعف من الحال لما أثّر من كونه قضى وقتا في بطن الحوت.
«وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ» لتظلّه، فإنه كان في الصحراء وشماع الشمس كان يضرّه، وقيّض له الله ظبية ذات ولد كانت تجيء فيرضع من لبنها، فكأنّ الحقّ أعاده إلى حال الطفولية. ثم إنه رحمه، ورجع إلى قومه، فأكرموه وآمنوا به، وكان الله قد كشف عنهم العذاب، لأنهم حينما خرج يونس من بينهم ندموا وتضرّعوا إلى الله لمّا رأوا أوائل العذاب قد أظلّتهم،
(١) تلاحظ أن القشيري يمر سريعا إزاء قصص الأنبياء هنا لأنه توقف طويلا عند كل منها في مواضع سبقت.