للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان سليمان- عليه السلام- يتكىء على عصاه وقتما قبض، وبقي على ذلك الوصف مدة، والشياطين كانوا مسخّرين يعملون ما أمرهم به، ويتصرفون على الوجه الذي رسم لهم، وينتهون عمّا زجرهم، فقد كانوا يتوهمّون أنه حيّ. ثم إنّ الأرضة «١» أكلت عصاه فخرّ سليمان فعلم الشياطين عندئذ أنه مات، فرجعوا إلى أعمالهم الخبيثة، وانفكّ عنهم ما كانوا عليه من التسخير وهكذا الملك الذي يقوم ملكه بغيره، ويكون استمساكه بعصا.. فإنه إذا سقط سقط بسقوطه، ومن قام بغيره زال بزواله.

قوله جل ذكره:

[[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٥]]

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥)

كانوا في رغد من العيش وسلامة الحال ورفاهته، فأمروا بالصبر على العافية والشكر على النعمة، وهذا أمر سهل يسير، ولكنهم أعرضوا عن الوفاق، وكفروا بالنعمة، وضيّعوا الشكر، فبدّلوا وبدّل بهم الحال، كما قالوا:

تبدلت وتبدلنا يا حسرة لمن ... ابتغى عوضا لسلمى فلم يجد

قوله جل ذكره:

[[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٦]]

فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦)

كذلك من الناس من يكون في رغد من الحال، واتصال من التوفيق، وطرب من القلب، ومساعدة من الوقت، فيرتكب زلّة أو يسىء أدبا أو يتبع شهوة، ولا يعرف قدر ما هو به، فيتغير عليه الحال فلا وقت ولا حال، ولا طرب ولا وصال يظلم عليه النهار وقد كانت لياليه مضيئة، كما قلنا «٢» :


(١) الأرضة- دودة تأكل الخشب.
(٢) هكذا في ولكنها في ص: كما قالوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>