للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي وآتيناه ذلك، فكانت الشياطين مسخّرة له، يعملون ما يشاء من الأشياء التي ذكرها سبحانه.

قوله جل ذكره: «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» «١» .

أي اعملوا يا آل داود للشكر، فقوله: «شُكْراً» منصوب لأنه مفعول له.

ويقال شكرا منصوب لأنه مفعول به مثل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ» «٢» .

وقد مضى طرف من القول في الشكر. والشكور كثير الشكر، والأصل في الشكر الزيادة، والشكيرة اسم لما ينبت تحت الأشجار منها، ودابة شكور إذا أظهرت من السّمن فوق ما تعطى من العلف فالشكور الذي يشكر على النعمة فوق ما يشكر أمثاله وأضرابه. وإذا كان الناس يشكرونه على الرخاء فالشكور يشكره في البلاء.

والشاكر يشكر على البذل، والشكور على المنع «٣» ... فكيف بالبذل؟

والشكور يشكر بقلبه ولسانه وجوارحه وماله، والشاكر ببعض هذه.

ويقال فى «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» قليل من يأخذ النعمة منى ولا يحملها على الأسباب فلا يشكر الوسائط ويشكرنى. والأكثرون يأخذون النعمة من الله، ويجدون الخير من قبله ثم يتقلدون المنّة من غير الله، ويشكرون غير الله.

قوله جل ذكره: «فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ» .


(١) يقول السهروردي في عوارفه: «فى أخبار داود عليه السلام: إلهى كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك؟ فأوحى إليه إذا عرفت هذا فقد شكرتنى. (عوارف المعارف ص ٣٤٤) »
(٢) آية ٤ سورة المؤمنين.
(٣) وردت العبارة في الرسالة هكذا: الشاكر يشكر عند البذل والشكور عند المطل (الرسالة ص ٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>