للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من وطّن النّفس على الدنيا وبهجتها غرته بأمانيها، وخدعته بالأطماع فيها. ثم إنها تخفى الصّاب فى شرابها، والحنظل فى عسلها، والسراب فى مآربها تعد ولا تفى بعداتها، وتوفى آفاتها على خيراتها.. نعمها مشوبة بنقمها، وبؤسها مصحوب بمأنوسها، وبلاؤها فى ضمن عطائها. المغرور من اغترّ بها، والمغبون من انخدع فيها.

قوله جل ذكره:

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]]

الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)

من اعتضد بعتاده، واغترّ بأولاده، ونسى مولاه فى أوان غفلاته.. خسر فى حاله، وندم على ما فاته فى مآله.

ويقال زينة أهل الغفلة فى الدنيا بالمال والبنين، وزينة أهل الوصلة بالأعمال واليقين..

فهؤلاء رتّبهم لظواهرهم.. وهؤلاء زينتهم لعبوديته، وافتخارهم بمعرفة ربوبيته.

ويقال ما كان للنّفس فيه حظّ فهو من زينة الحياة الدنيا، ويدخل فى ذلك الجاه وقبول المدح، وكذلك تدخل فيه جميع المألوفات والمعهودات على اختلافها وتفاوتها.

ويقال ما كان للإنسان فيه شرب ونصيب فهو معلول: إن شئت فى عاجله وإن شئت فى آجله.

قوله جل ذكره: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا.

وهى الأعمال التي بشواهد الإخلاص والصدق.

ويقال «الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ» : ما كان خالصا لله تعالى غير مشوب بطمع، ولا مصحوب بغرض.

ويقال «الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ» : ما يلوح فى السرائر من تحلية العبد بالنعوت، ويفوح نشره فى سماء الملكوت.

ويقال هى التي سقت من الغيب لهم بالقربة وشريف الزلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>