وفى بعض الأخبار أن عائشة قالت:«يا رسول الله إنى أحبك وأحب قربك» ..
فأجرى الله حديث الافك حتى ردّ قلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها إلى الله، وردّ قلب عائشة عنه إلى الله حيث قال- لما ظهرت براءة ساحتها: بحمد الله لا بحمدك كشف الله عنها به تلك المحقة، وأزال الشكّ، وأظهر صدقها وبراءة ساحتها.
ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اتقوا فراسة المؤمن فإنّ المؤمن ينظر بنور الله»«١» ، فإذا كانت الفراسة صفة المؤمن فأولى الناس بالفراسة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تظهر له بحكم الفراسة براءة ساحتها، حتى كان يقول:«إن فعلت فتوبى» .
والسبب فيه أنه فى أوقات البلاء يسدّ الله على أوليائه عيون الفراسة إكمالا للبلاء.
وكذلك إبراهيم- عليه السلام- لم يميّز ولم يعرف الملائكة حيث قدّم إليهم العجل الحنيذ، وتوهمهم أضيافا. ولوط عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة إلى أن أخبروه أنهم ملائكة.
ويقال إنه كان- صلى الله عليه وسلم- يقول لعائشة:«يا حميراء» .
فلما كان زمان الإفك، وأرسلها إلى بيت أبويها، واستوحش الأبوان معها، ومرضت عائشة- رضى الله عنها- من الحزن والوجد، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى واحدا من دار أبى بكر يقول:
كيف بيتكم؟ لا عائشة ولا حميراء! فما كان يطيب بالتغافل عنها، فتعبيره- إن لم يفهم بالتصريح- فيفقه بالتلويح.
ثم إنه- سبحانه- قال:«لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ» : فبمقدار جرمهم احتمل كلّ واحد ما يخصّه من الوزر.