«سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ» : الأولى فى الدنيا بالفضيحة فيما ينالهم من المحن والفتن والأمراض، ولا يحصل لهم عليها فى الآخرة عوض ولا أجر ولا مسرّة، والثانية عذاب القبر.
وقيل المرة الأولى بقبض أرواحهم، والثانية عذاب القبر ثم يوم القيامة يمتحنون بالعذاب الأكبر.
ويقال المرة الأولى ظنّهم نهم على شىء، والمرة الثانية بخيبة آمالهم وظهور ما لم يحتسبوه لهم.
قوله جل ذكره:
[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٢]]
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)
إن اتصفوا بعيوبهم فلقد اعترفوا بذنوبهم. والإقرار توكيد الحقوق فيما بين الخلق فى مشاهد الحكم، ولكن الإقرار بحق الله- سبحانه- يوجب إسقاط الجرم فى مقتضى سنّة كرم الحقّ- سبحانه، وفى معناه أنشدوا:
قيل لى: قد أساء فيك فلان ... وسكوت الفتى على الضيم عار
قلت: قد جاءنى فأحسن عذرا ... دية الذّنب عندنا الاعتذار
«خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً» : ففى قوله «وَآخَرَ سَيِّئاً» بعد قوله «صالِحاً» دليل على أن الزّلّة لا تحبط ثواب الطاعة إذ لو أحبطته لم يكن العمل صالحا.
وكذلك قوله: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» : وعسى تفيد أنه لا يجب على الله شىء فقد يتوب وقد لا يتوب. ولأنّ قوله صدق.. فإذا أخبر أنّه يجيب فإنه يفعل، فيجب منه لا يجب عليه «١» .
ويقال قوله: «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً» : يحتمل معناه أنهم يتوبون فالتوبة عمل صالح.
وقوله: «وَآخَرَ سَيِّئاً» : يحتمل أنه نقضهم التوبة، فتكون الإشارة فى قوله: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» أنهم إن نقضوا توبتهم وعادوا إلى ما تركوه من زلّتهم فواجب منّا أن
(١) واضح حرص القشيري على مقاومة المعتزلة فيما يتصل بنفي اى وجوب على الله فقد جلت الصمدية عن ذلك، وإن كان يرى أنه يجب منه- سبحانه- الفضل.