قوله جل ذكره:
[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٩]]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
سخّر لهم جميع المخلوقات على معنى حصول انتفاعهم بكل شىء منها، فعلى الأرض يستقرون وتحت السماء يسكنون، وبالنجم يهتدون، وبكل مخلوق بوجه آخر ينتفعون. لا بل ما من عين وأثر فكروا فيه إلا وكمال قدرته وظهور ربوبيته به يعرفون.
ويقال مهّد لهم سبيل العرفان، ونبّههم إلى ما خصّهم به من الإحسان، ثم علمهم علوّ الهمة حيث استخلص لنفسه أعمالهم وأحوالهم فقال «لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ» .
قوله جل ذكره: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
فالأكوان بقدرته استوت، لا أن الحق سبحانه بذاته- على مخلوق- استوى، وأنّى بذلك! والأحدية والصمدية حقه وما توهموه من جواز التخصيص بمكان فمحال ما توهموه، إذ المكان به استوى، لا الحق سبحانه على مكان بذاته استوى.
قوله جل ذكره:
[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٠]]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)
هذا ابتداء إظهار سرّه فى آدم وذريته. أمر حتى سلّ من كل بقعة طينة ثم أمر بأن يخمر طينه أربعين صباحا، وكل واحد من الملائكة يفضى «١» العجب: ما حكم هذه الطينة؟ فلمّا ركب صورته لم يكونوا رأوا مثلها فى بديع الصنعة وعجيب الحكمة، فحين قال «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ ... » ترجّمت الظنون، وتقسّمت القلوب، وتجنّت الأقاويل، وكان كما قيل:
وكم أبصرت من حسن ولكن ... عليك من الورى وقع اختياري
ويقال إن الله سبحانه وتعالى خلق ما خلق من الأشياء ولم يقل فى شأن شىء منه ما قال فى حديث آدم حيث قال: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ، فظاهر هذا الخطاب يشبه المشاورة
(١) وردت فى ص (يقصى) بالقاف والصواب أن تكون (يفضى) بالفاء.