للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخصال المحمودة إذا باشرت قلب عبد أخرجت عنه الشهوات والمنى، وسفاسف الأخلاق من الحقد والحسد والشحّ وصغر الهمة.. وغير ذلك من الأوصاف الذميمة وتثبت بدلها من الأحوال العليّة والأوصاف المرضيّة ما به نظام العبد وتمام سعادته. ومتى استولت على قلب غاغة النّفس والخصال المذمومة أزالت عنه عمارته، وأبطلت نضارته، فتخرب أوطان الحقائق، وتتداعى مساكن الأوصاف الحميدة للأفول، وعند ذلك، يعظم البلاء وتتراكم المحن.

قوله جل ذكره:

[[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٥]]

وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)

جاء في القصة أنها بعثت إلى سليمان بهدايا، ومن جملتها لبنة مصنوعة من الفضة وأخرى من الذهب. وأن الله أخبر سليمان بذلك، وأوحى إليه في معناه. وأمر سليمان الشياطين حتى بنوا بساحة منزله ميدانا، وأمرهم أن يفرشوا الميدان بهيئة اللّبن المصنوع من الذهب والفضة من أوله إلى آخره. وأمر بأن توقف الدوابّ على ذلك وألا تنظّف آثارها من روث وغيره، وأن يترك موضعان للبنتين خاليين في ممرّ الدخول. وأقبل رسلها، وكانت معهم اللبنتان ملفوفتين، فلمّا رأوا الأمر، ووقعت أبصارهم على طريقهم، صغر في أعينهم ما كان معهم، وخجلوا من تقديم ذلك إلى سليمان ووقعوا في الفكرة.. كيف يتخلصون مما معهم؟.

فلمّا رأوا موضع اللّبنتين فارغا ظنّوا أن ذلك سرق من بينها، فقالوا لو أظهرنا هذا نسبنا إلى أنّا سرقناهما من هذا الموضع، فطرحاهما في الموضع الخالي، ودخلا على سليمان:

قوله جل ذكره:

[[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٦]]

فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦)

أتهدوننى مالا؟! وهل مثلى يستمال بمثل هذه الأفعال؟ إنكم وأمثالكم تعاملون بمثل ما عوملتم «١» ! إرجع إليهم: -


(١) أي أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فلذلك تفرحون بما تزدادون وبما يهدى إليكم لأن ذلك مبلغ همتكم- وحالى خلاف حالكم، فأنا- بما آتاني الله- غنى عن حظوظ الدنيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>