نبطل ضوء النهار بهجوم الليل عليه، وتزيل ظلام الليل بهجوم النهار عليه، كذلك نهار الوجود يدخل على ليالى التوقف، ويقود بيد كرمه عصا من عمى عن سلوك رشده فيهديه إلى سواء الطريق.
على ترتيب معلوم لا يتفاوت في فصول السنة، وكل يوم لها مشرق جديد ولها مغرب جديد.. وكل هذا بتقدير العزيز العليم.
«وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» الإشارة منه أن العبد في أوان الطلب رقيق الحال، ضعيف، مختصر الفهم.. ثم يفكّر حتى تزداد بصيرته ... إنه كالقمر يصير كاملا، ثم يتناقص، ويدنو من الشمس قليلا قليلا، وكلّما ازداد من الشمس دنوّا ازداد في نفسه نقصانا حتى يتلاشى ويختفى ولا يرى ...
ثم يبعد عن الشمس فلا يزال يتباعد ويتباعد حتى يعود بدرا- من الذي يصرّفه في ذلك إلّا أنه تقدير العزيز العليم؟ وشبيه الشمس عارف أبدا في ضياء معرفته، صاحب تمكين غير متلوّن «١» ، يشرق من برج سعادته دائما، لا يأخذه كسوف، ولا يستره سحاب.
وشبيه القمر عبد تتلون أحواله في تنقله فهو في حال من البسط يترقّى إلى حدّ الوصال، ثم يردّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان به من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقصان أمره إلى أن يرفع قلبه عن وقته، ثم يجود الحقّ- سبحانه- فيوفّقه لرجوعه عن فترته،
(١) سبق أن أوضحنا الفرق بين حالى التلوين والتمكين.