للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمّا كتب عليهم القتال استثقلوا أمره، واستعجلوا لطفه. والعبودية فى ترك الاستثقال، ونفى الاستعجال، والتباعد عن التبرم والاستثقال.

قوله جل ذكره: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا.

مكنّك من الدنيا ثم قال: «قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ» ، فلم يعدّها شيئا لك ثم لو تصدّقت منها بشقّ تمرة لتخلّصت من النار، وحظيت بالجنة، وهذا غاية الكرم.

واستقلال الكثير من نفسك- لأجل حبيبك- أقوى أمارات صحبتك.

ويقال لما زهّدهم فى الدنيا قلّلها فى أعينهم ليهون (عليها «١» ) تركها.

ويقال قل متاع الدنيا بجملتها قليل، والذي هو نصيبك منها أقلّ من القليل، فمتى يناقشك لأجلها (بالتخليل) «٢» ، لو سلم عهدك من التبديل؟

وإذا كانت قيمة الدنيا قليلة فأخسّ من الخسيس من رضى بالخسيس بدلا عن النفيس.

وقد اختلع المؤمن من الكون بالتدريج. فقال أولا: «قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ» (فأحفظهم) «٣» عن الدنيا بالعقبى، ثم سلبهم عن الكونين بقوله: «وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى» .

قوله جل ذكره:

[[سورة النساء (٤) : آية ٧٨]]

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) .


(١) الضمير فى (عليها) يعود على أعينهم، وربما كانت فى الأصل (عليهم) فيعود الضمير على الزهاد. [.....]
(٢) نرجح أنها فى الأصل (التحليل) إشارة إلى قوله (ص) حلالها حساب وحرامها عقاب.
(٣) نرجح أنها فى الأصل (فاختطفهم) عن الدنيا بالعقبى ثم سلبهم ... فهذا أقرب إلى مراحل تدرج الفناء الصوفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>