إن موسى عليه السّلام وإن كان سمع من الله فتن قومه فإنه لما شاهدهم أثّرت فيه المشاهدة بما لم يؤثر فيه السماع، وإن علم قطعا أنه تأثر بالسماع إلا أن للمعاينة تأثيرا آخر.
ثم إن موسى لما أخذ برأس أخيه يجره إليه استلطفه هارون فى الخطاب.
فقال: يا «ابْنَ أُمَّ» فذكر الأمّ هنا للاسترفاق والاسترحام.
وكذلك قوله: تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي»
يريد بهذا أنه قد توالت المحن علىّ فذرنى وما أنا فيه، ولا تزد فى بلائي، خلفتنى فيهم فلم يستنصحونى. وتلك علىّ شديدة. ولقيت فى عتابى وجر رأسى وقصدت ضربى، وكنت أود منك تسليتى وتعزيتى. فرفقا بي ولا تشمت بي الأعداء، ولا تضاعف علىّ البلاء.
وعند ذلك رقّ له موسى- عليه السّلام، ورجع إلى الابتهال إلى الله والسؤال بنشر الافتقار فقال: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ» وفى هذا إشارة إلى وجوب الاستغفار على العبد فى عموم الأحوال، والتحقق بأنّ له- سبحانه- تعذيب البريء إذ الخلق كلّهم ملكه، وتصرّف المالك فى ملكه نافذ.
ويقال: ارتكاب الذّنب كان من بنى إسرائيل، والاعتذار كان من موسى وهارون عليهما السّلام، وكذا الشرط فى باب خلوص العبودية.
قوله جل ذكره:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٢]]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢)
يعنى إن الذين اتخذوا العجل معبودا سينالهم فى مستقبل أحوالهم جزاء أعمالهم. والسين فى قوله «سَيَنالُهُمْ» للاستقبال، ومن لا يضره عصيان العاصين لا يبالى بتأخير العقوبة عن الحال، وفرق بين الإمهال والإهمال، والحق- سبحانه- يمهل ولكنه لا يهمل، ولا ينبغى لمن يذنب ثم لا يؤاخذ فى الحال أن يغترّ بالإمهال.
قوله جل ذكره:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٣]]
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)