لما دخلوا على يوسف خاطبوه بذكر الضّرّ، ومقاساة الجوع والفقر، ولم يذكروا حديث يوسف عليه السلام، وما لأجله وجّههم أبوهم.
ويقال استلطفوه بقولهم:«مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ» ثم ذكروا بعد ذلك حديث قلة بضاعتهم.
ويقال لمّا طالعوا فقرهم نطفوا بقدرهم فقالوا: وجئنا ببضاعة مزجاة- أي رديئة- ولما شاهدوا قدر يوسف سألوا على قدره فقالوا: أوف لنا الكيل.
ويقال قالوا كلنا كيلا يليق بفضلك لا بفقرنا، وبكرمك لا بعدمنا، ثم تركوا هذا اللسان وقالوا:«وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا» : نزلوا أوضع منزل كأنهم قالوا: إن لم نستوجب معاملة البيع والشراء فقد استحققنا بذل العطاء، على وجه المكافأة والجزاء.
فإن قيل كيف قالوا وتصدّق علينا وكانوا أنبياء- والأنبياء لا تحل لهم الصدقة؟
فيقال لم يكونوا بعد أنبياء، أو لعلّه فى شرعهم كانت الصدقة غير محرّمة على الأنبياء.
ويقال إنما أرادوا أنّ من ورائنا من تحلّ له الصدقة.
افتضحوا بحضرة يوسف عليه السلام وقالوا:«فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ» فعرفهم فعلمهم ووقفهم عند أحدهم فقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ يعنى إنّ من عامل يوسف وأخا، بمثل معاملتكم فلا ينبغى له أن يتجاسر فى الخطاب كتجاسركم.
ويقال إن يوسف عليه السلام قال لهم: أنهيتم كلامكم، وأكثرتم خطابكم، فما كان فى حديثكم إلا ذكر ضرورتكم.. أفلا يخطر ببالكم حديث أخيكم يوسف؟! وذلك فى باب العتاب أعظم من كلّ عقوبة