عاتبهم على المبادرة إلى الاعتراض وبسط ألسنتهم بالسوء عنها، وتركهم الإعراض عن حرم النبي صلى الله عليه. ثم قال: وهلّا جاءوا على ما قالوا بالشهداء؟ وإذا لم يجدوا ذلك فهلّا سكتوا عن بسط اللسان؟
لأنه أخبر أن جرمهم- وإن كان عظيما- فإنه فى علم الله عنهم غير مؤثّر، ولولا أن الله- سبحانه- ينتقم لأوليائه ما لا ينتقم لنفسه فلعلّه لم يذكر هذه المبالغة فى أمرهم فإنّ الذي يقوله الأجانب والكفار فى وصف الحق- سبحانه- بما يستحيل وجوده وكونه يوفى ويربى على كل سوء- ثم لا يقطع عنهم أرزاقهم، ولا يمنع عنهم أرفاقهم، ولكن ما تتعلّق به حقوق أوليائه- لا سيما حق الرسول صلى الله عليه وسلم- فذاك عظيم عند الله.
بالغ فى الشكاية منهم لما أقدموا عليه بما تأذّى به قلب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقلوب جميع المخلصين من المسلمين.
ثم قال:«وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» : وسبيل المؤمن ألا يستصغر فى الوفاق طاعة، ولا يستصغر فى الخلاف زلّة فإنّ تعظيم الأمر تعظيم للآمر. وأهل التحقيق لا ينظرون ما ذلك الفعل ولكن ينظرون من الآمر به.
ويقال: يسير الزّلّة- يلاحظها العبد بعين الاستحقار- فتحبط كثيرا من الأحوال، وتكدّر كثيرا من صافى المشارب.