للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يسلم لهم نفس مع الخلق، وأنّى بذلك ولا خلق!! وإذا لم يكن فإثبات ما ليس شرك (سقها) «١» فى التوحيد.

والفقير الصادق واقف مع الله بالله، لا إشراف للأجانب عليه، ولا سبيل لمخلوق إليه تنظره عين الأغيار فى لبسة سوى ما هو به قال تعالى: «يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ» ، فأما من كان ذا بصيرة فلا إشكال عليه في شىء من أحوالهم. تعرفهم يا محمد- أنت- بسيماهم، فليست تلك السيماء مما يلوح للبصر ولكنها سيماء تدركها البصيرة. لا إشراف عليهم إلا بنور الأحدية.

ويقال «تعرفهم بسيماهم» : استبشار قلوبهم عند انكسار نفوسهم، وصياح أسرارهم إلى العرش (نشاطا عنه) عند ذبول ظاهرهم عن الانتعاش «٢» .

ويقال تكسر الظاهر عند تكسر الباطن وبالعكس من هذه لا يسألون الناس إلحافا، فإن جرى منهم من الخلق بدون الإلحاف سؤال- لما يشير إليه دليل الخطاب- فذلك صيانة لهم ولسر قصتهم، لئلا يلاحظهم الخلق بعين السؤال، وليس على سرّهم ذرة من الإثبات للأغيار «٣» .

ويقال: «أحصروا فى سبيل الله» : وقفوا على حكم الله، وأحصروا نفوسهم على طاعته وقلوبهم على معرفته، وأرواحهم على محبته، وأسرارهم على رؤيته.

قوله جل ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٤]]

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)

ما دام لهم مال لا يفترون ساعة عن إنفاقه ليلا ونهارا، فإذا تفد المال لا يفترون عن شهوده لحظة ليلا ونهارا.


(١) مشتبهة وقد أثرنا أن ننقلها كما هى وربما كانت (سقما) أي علة فى التوحيد.
(٢) العبارة فيها شىء من غموض نتيجة اشتباه ما بين القوسين ولكن المراد- والله أعلم- أنه بينما تبدوا ظواهرهم ذابلة بحكم التواضع والانكسار فإن أسرارهم جادة فى التسبيح من حول العرش.
(٣) هنا يبدو القشيري متأثرا بتعاليم أهل الملامة النيسابورية.

<<  <  ج: ص:  >  >>