الحقّ- سبحانه- لا يستتر عن رؤيته مدرك، ولا تخفى عليه- من مخلوقاته- خافية. وإنما الحجب على أبصار الخلق وبصائرهم فالعادة جارية بأنه لا يخلق لنا الإدراك لما وراء الحجب. وكذلك إذا حلّت الغفلة القلوب استولى عليها الذهول، وانسدّت بصائرها، وانتفت فهومها وفوقنا حجب ظاهرة وباطنة ففى الظاهر السماوات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية كالمنية والشهوة، والإرادات الشاغلة، والغفلات المتراكمة.
أمّا المريدون فإذا أظلّتهم سحائب الفترة، وسكن هيجان إرادتهم فذلك من الطرائق التي عليهم.
وأما الزاهدون فإذا تحرّك بهم عرق الرغبة انفلّت «١» قوة زهدهم، وضعفت دعائم صبرهم، فيترخّصون بالجنوح إلى بعض التأويلات، فتعود رغباتهم قليلا قليلا، وتختلّ رتبة عزوفهم، وتنهدّ دعائم زهدهم، وبداية ذلك من الطرائق التي خلق فوقهم.
وأما العارفون فربما تظلّهم فى بعض أحايينهم وقفة فى تصاعد سرّهم إلى ساحات الحقائق.
فيصيرون موقفين ريثما يتفضّل الحقّ- سبحانه- عليهم بكفاية ذلك فيجدون نفاذا، ويرفع عنهم ما عاقهم من الطرائق.
وفى جميع هذا فإنّ الحقّ سبحانه غير غافل عن الخلق، ولا تارك للعباد.