وإفاقته عن سكرته، فلا يزال يصفو حاله إلى أن يقرب من الوصال، ويرزق صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال.. كذلك حاله إلى أن يحقّ له بالمقسوم ارتحاله، كما قالوا:
ما كنت أشكو ما على بدني ... من كثرة التلوين من بدّته «١»
الإشارة فيه إلى حمل الخلق في سفينة السلامة في بحار التقدير عند تلاطم أمواجها بفنون من التغيير والتأثير. فكم من عبد غرق في اشتغاله في ليله ونهاره، لا يستريح لحظة من كدّ أفعاله ومقاساة التعب في أعماله، وجمع ماله.
فجرّه ذلك إلى نسيان عاقبته ومآله، واستيلاء شغله بولده وعياله على فكره وباله- وما سعيه إلّا في وباله! وكم من عبد غرق في لجّة هواه، فجرّته مناه إلى تحمّل بلواه، وخسيس من أمر مطلوبه ومبتغاه.. ثم لا يصل قط إلى منتهاه، خسر دنياه وعقباه، وبقي عن مولاه! ومن أمثال هذا وذاك ما لا يحصى، وعلى عقل من فكّر واعتبر لا يخفى.
أمّا إذا حفظ عبدا في سفينة العناية أفرده- سبحانة- بالتحرّر من رقّ خسائس الأمور، وشغله بظاهره بالقيام بحقّه، وأكرمه في سرائره بفراغ القلب مع ربّه، ورقّاه إلى ما قال:«أنا جليس من ذكرنى» .. وقل في علوّ شأن من هذه صفته.. ولا حرج! قوله جل ذكره: