للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متصلة «١» وهذه صفة الغرباء.. وإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ.

ويقال نور القلب: ثم موجبه هو دوام الانزعاج فلا يذره يعرّج فى أقطار الكسل، فيصل سيره بسراه فى استعمال فكره، والحقّ يمده: بنور التوفيق حتى لا يصده عن عوارض الاجتهاد شىء من حبّ رياسة، أو ميل لسوء، أو هوادة. فإذا أسفر صبح غفلته، واستمكن النظر من موضعه حصل العلم لا محالة. ثم لا يزال يزداد يقينا على يقين مما يراه فى معاملته من القبض والبسط، والمكافأة والمجازاة فى زيادة الكشف عند زيادة الجهد، وحصول الوجد عند أداء الورد.

ثم بعده نور المعاملة، ثم نور المنازلة، ثم متوع نهار المواصلة. وشموس التوحيد مشرقة، وليس فى سماء أسرارهم سحاب ولا فى هوائها ضباب، قال تعالى: «نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» .

ويقال نور المطالبة يحصل فى القلب فيحمل صاحبه على المحاسبة، فإذا نظر فى ديوانه، وما أسلفه من عصيانه يحصل له نور المعاينة، فيعود على نفسه باللائمة، ويتجرّع كاسات ندمه، فيرتقى عن هذا باستدامة قصده، والتّنقّى عما كان عليه فى أوقات فترته. فإذا استقام فى ذلك كوشف بنور المراقبة فيعلم أنّه- سبحانه- مطّلع عليه. وبعد هذا نور المحاضرة وهى لوائح تبدو فى السرائر. ثم بعد ذلك نور المكاشفة وذلك بتجلّى الصفات.

ثم بعده نور المشاهدة فيصير ليله نهارا، ونجومه أقمارا، وأقماره بدورا، وبدوره شموسا.

ثم بعد هذا أنوار التوحيد، وعند ذلك يتحقق التجريد بخصائص التفريد، ثم مالا تتناوله عبارة ولا تدركه إشارة، فالعبارات- عند ذلك- خرس، والشواهد طمس، وشهود الغير عند ذلك محال «٢» . عند ذلك: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ» «٣» ، و «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، وانْفَطَرَتْ..»


(١) هذا نموذج للتصوف الإسلامى الحق الذي لا تشوبة شائبة حلول أو اتحاد أو امتزاج، فالرب رب والعبد عبد، ولا تداخل بينهما.
(٢) لأنه لا وجود عندئذ للغير والسوي، فقد فنى العبد عن نفسه وعن الغير الله تماما فناء ذوقيا شهوديا، لا فناء طبيعيا كما هو الشأن فى بعض التصوفات الأخرى.
(٣) سورة التكوير.

<<  <  ج: ص:  >  >>