للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم بساتين وأنهار، والجمع إذا قوبل بالجمع فالآحاد تقابل بالآحاد.

فظاهر هذا الخطاب يقتضى أن يكون لكل واحد من المتقين جنة ونهر.

«فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ» : أي في مجلس صدق.

«عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» : أراد به عنديّة القربة والزلفة.

ويقال: مقعد الصدق أي مكان الصدق، والصادق في عبادته من لا يتعبّد على ملاحظة الأطماع ومطالعة الأعواض.

ويقال: من طلب الأعواض هتكته الأطماع، ومن صدق في العبوديّة تحرّر عن المقاصد الدّنيّة.

ويقال: من اشتغل بالدنيا حجبته الدنيا عن الآخرة، ومن أسره نعيم الجنة حجب عن القيام بالحقيقة، ومن قام بالحقيقة شغل عن الكون بجملته «١» .


(١) أرباب الحقيقة لا تشغلهم فكرة الثواب والعقاب على النحو المألوف عند العابدين بنفوسهم. فجنّتهم الكبرى هي رؤيهم لمحبوبهم، ولهم في ذلك أقوال كثيرة شعر أو نثرا.. من ذلك:
قول أبى على الروذبارى:
من لم يكن بك فانيا عن حبه ... وعن الهوى والأنس بالأحباب
أو تيمة صبابة جمعت له ... ما كان مفترقا من الأسباب
فكأنه بين المراتب واقف ... لمنال حظّ أو لحسن مآب
ويقول الجنيد: كل محبة كانت لغرض إذا زال الغرض زالت تلك المحبة. ويقول يحيى بن معاذ:
إن ذا الحب لمن يفنى له ... لا لدار ذات لهو وطرف
لا ولا الفردوس- لا يألفها- ... لا ولا الحوراء من فوق غرف
ويقول أحدهم:
كلهم يعبدون من خوف نار ... ويرون الجنان حظّا جزيلا
ليس لى في الجنان النار رأى ... أنا لا أبتغى بحبي بديلا
(انظر كتابنا «نشأة التصوف الإسلامى» ط المعارف ص ١٩٥، ص ١٩٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>