نعم صدق الأستاذ الإمام، فالكتاب مملوء بدعاوى وحدة الوجود، وما جرّه هذا المذهب من ويلات، ولسنا هنا بصدد دراسة تفصيلية له، ولكننا نشعر بالحاجة إلى أن نسوق شواهد قليلة تثبت مجانبة هذا التفسير للحق، وكيف أنه لا يصح أن يكون نموذجا للاتجاه الصوفي السديد- كما حلا لجولد تسيهر أن يظهره ويتحمس له، ليخرج من ذلك بأحكام عامة يصدرها عن التصوف الإسلامى- كأنما يروى غليله.
ففى سورة المزمل عند قوله تعالى (واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا، يقول: (واذكر اسم ربك الذي هو أنت..) !! ج ٢ ص ٣٥٢.
وفى سورة الواقعة عند قوله تعالى (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) ، يقول: نحن خلقناكم بإظهاركم بوجودنا، وظهورنا فى صوركم) ج ٢ ص ٢٩١ وليس هذا التصوّر بمستغرب على من يقول إن عجل بنى إسرائيل أحد المظاهر التي اتّخذها الله وحلّ فيها!! وليس من الإنصاف أن يقال للناس هذا هو رأى الصوفية المسلمين ولا رأى بعده، بل يجب أن نضع فى اعتبارنا أن مذهب وحدة الوجود مذهب فلسفى يبتعد عن المنهج القلبي العرفانى الذي اختطه أرباب المجاهدات والأحوال للوصول إلى وحدة الشهود، وفى وحدة الشهود- ومهما قيل عنها من كلام ظاهره مستشنع وباطنه سليم على حدّ تعريف أبى نصر السراج الطوسي للشطح- يبقى دائما شىء هام قوى ناصع أن العبد عبد والرب رب ولا تداخل ولا امتزاج ولا حلول ولا اتحاد، بل بمقدار ما يصل العبد إلى تحقيق عبوديته يصل إلى التحقق من ربوبيته الرب وتنزيهه عن كل إفك وباطل ... تعالى الله علوّا كبيرا.
ولا ينبغى لنا أن نغض الطرف عن قيمة التفاسير المبعثرة فى المراجع الصوفية الكبرى لآيات بعينها من القرآن الكريم، فإن تبعثر هذه التفاسير لا يحول دون تقديرها حق قدرها، ذلك لأنها غالبا ما سيقت لتدعيم موقف أو لتشهد على استمداد فكرة أو لفظة، فهى من هذه الناحية لا تخرج عن كونها تفسيرا صوفيا غير مجموع.
وفيما عدا ذلك يمكن القول إن أبرز التفاسير الصوفية التي نعرفها كتابان أولهما «عرائس البيان فى حقائق القرآن» لأبى محمد روزبهان بن أبى النصر البقلى الشيرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هـ[كشف الظنون ج ٢ ص ٢١]