للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيحفظ عليه أحكام الأمر بما يجرى عليه منه، وهو عن ملاحظتها محو، فنفوسهم مستقبلة القبلة، وقلوبهم مستغرقة فى حقائق الوصلة:

أرانى إذا صلّيت يمّمت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلّى ورائيا

أصلى فلا أدرى إذا ما قضيتها ... أثنتين صليت الضحى أم ثمانيا؟

وإن أصحاب العموم يجتهدون عند افتتاح الصلاة ليردوا قلوبهم إلى معرفة ما يؤدون من الفرض، ولكن عن أودية الغفلة ما يرجعون. أما أهل الخصوص فيردون قلوبهم إلى معرفة ما يؤدون ولكن عن حقائق الوصلة ما يرجعون فشتّان بين غائب يحضر أحكام الشرع ولكن عند أوطان الغفلة، وبين غائب يرجع إلى أحكام الشرع ولكن عند حقائق الوصلة.

قوله جل ذكره: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الرزق ما تمكّن الإنسان من الانتفاع به، وعلى لسان التفسير أنهم ينفقون أموالهم إمّا نفلا وإما فرضا على موجب تفصيل «١» العلم. وبيان الإشارة أنهم لا يدخرون عن الله سبحانه وتعالى شيئا من ميسورهم فينفقون نفوسهم فى آداب العبودية، وينفقون قلوبهم على دوام مشاهدة الربوبية. فإنفاق أصحاب الشريعة من حيث الأموال، وإنفاق أرباب الحقيقة من حيث الأحوال، فهؤلاء يكتفى منهم عشرين بنصف ومن المائتين بخمس «٢» ، وعلى هذا السّنن جميع الأموال يعتبر فيه النّصاب. وأمّا أهل الحقائق فلو جعلوا من جميع أحوالهم- لأنفسهم ولحظوظهم- لحظة قامت عليهم القيامة.

[فصل] الزاهدون أنفقوا فى طريقة متابعة هواهم، فآثروا رضاء الله على مناهم، والعابدون أنفقوا فى سبيل الله وسعهم وقواهم، فلازموا سرا وعلنا نفوسهم. والمريدون أنفقوا فى سبيله ما يشغلهم عن ذكر مولاهم فلم يلتفتوا إلى شىء من دنياهم وعقباهم. والعارفون أنفقوا فى سبيل الله ما هو سوى مولاهم فقرّبهم الحق سبحانه وأجزاهم، وبحكم الإفراد به لقّاهم.


(١) وردت (تفضيل) ولا يرجحها السياق فالمقصود ما يفصله العلم من مقادير زكاة المال. [.....]
(٢) إشارة إلى ان زكاة الأموال مقدارها ربع العشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>