وتوفى فى يوم الأحد السادس عشر من ربيع الآخر عام ٤٦٥ هـ وهو عربى النسب من جهة أبيه فهو من قبيلة قشير العدنانية المتصلة بهوازن، ويذكر ابن حزم أن سلالات من قشير اتجهت إلى المغرب نحو الأندلس إبّان الفتح الإسلامى زمن الأمويين، واتجه بعضها إلى المشرق وكان منها ولاة وقواد على خراسان ونيسابور. (جمهرة الأنساب ٢٧٣ و ٤٥٩) كذلك فإن القشيري عربى النسب من جهة أمه فهى سلمية وأخوها أبو عقيل السلمى من وجوه دهاقين أستوا، واستوا هى الناحية التي ولد فيها القشيري وتلقى بها تعليمه الأولىّ.
وحدث أن اجتاحت المنطقة ضائقة اقتصادية، ففكر الأهالى فى إرسال لفيف من أبنائهم إلى نيسابور لكى يتلقوا من دروس الحساب ما يمكّنهم- بعد عودتهم- من المشاركة فى تنظيم الأمور الاقتصادية، وكان القشيري أحد هؤلاء الأبناء.
وبدأ القشيري فى نيسابور يتهيأ لهذا اللون من الدراسة، ولكنه ما لبث أن انصرف عنها عند ما اجتذبته مجالس الفقه والكلام والحديث والتفسير والأدب، ولم تبخل نيسابور عليه بزاد، فلقد كانت فى ذلك الوقت تعج بالنشاط الفكرى، وتحفل بكبار الشيوخ أمثال ابن فورك، ومحمد بن أبى بكر الطوسي، وأبى إسحق الاسفرايينى، وقد ظفر القشيري فى كنف هؤلاء الأئمة برعاية خاصة حينما أتيح له الاتصال بهم، وأتيح لهم معرفته عن قرب، ووضح لهم فيه حسن الاستعداد، والدأب، واستقامة الخلق.
ولم يكن القشيري يضيع فترة ما بعد الدرس هباء، بل كان ينكب على القراءة والاستذكار وكان شديد الولع بالعلوم العقلية، وبخاصة تلك التي تتناول المسائل التي طالما اشتجر الخلاف حولها بين الأشاعرة وأهل الاعتزال، واستوعب فى هذه الفترة معظم ما صنّف الباقلاني.
وجاء يوم سأل فيه الإمام الاسفرايينى تلميذه القشيري- حين وجده لا يكتب كما يكتب سائر الطلاب: أما علمت يا بنى أن هذا العلم لا يحصل بالسماع؟
(ولكن القشيري أعاد عليه كل ما سمعه، وقرره أحسن تقرير، من غير إخلال بشىء فتعجّب منه وأكرمه، وقال له ما كنت أدرى يا بنى أنك بلغت هذا المحل، فلست تحتاج إلى درس يكفيك أن تطالع مصنفاتى، وتنظر فى طريقتى، وإن أشكل عليك شىء طالعتنى به