والمستجيب لربه محو عن كلّه باستيلاء الحقيقة، والمستجيب للرسول- صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله- قائم بشريعته من غير إخلال بشىء من أحكامها. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالاستجابة له- سبحانه، وبالاستجابة للرسول فالعبد المستجيب- على الحقيقة- من قام بالله سرّا، واتصف بالشرع جهرا، فيفرده الحقّ- سبحانه- بحقائق الجمع و (....)«١» فى مشاهدة الفرق، فلا يكون للحدثان فى مشرب حقائقه تكدير، ولا لمطالبات الشرع على أحواله نكير.
قوله جل ذكره: لِما يُحْيِيكُمْ.
إذ لمّا أفناهم عنهم أحياهم به.
ويقال العابدون أحياهم بطاعته بعد ما أفناهم عن مخالفته، وأما العالمون فأحياهم بدلائل ربوبيته، بعد ما أفناهم عن الجهل وظلمته. وأمّا المؤمنون فأحياهم بنور موافقته بعد ما أفناهم بسيوف مجاهدتهم. وأمّا الموحّدون فأحياهم بنور توحيده بعد ما أفناهم عن الإحساس بكل غير، والملاحظة لكل حدثان.
يصون القلوب عن تقليب أربابها فيقلّبها كما يشاء هو، من بيان هداية وضلال، وغيبة ووصال، وحجبة وقربة، ويقين ومرية، وأنس ووحشة.
ويقال صان قلوب العبّاد عن الجنوح إلى الكسل، فجدّوا فى معاملاتهم، وصان قلوب المريدين عن التعريج فى أوطان الفشل فصدقوا فى منازلاتهم، وصان قلوب العارفين- على حدّ الاستقامة- عن الميل فتحققوا بدوام مواصلاتهم.
ويقال حال بينهم وبين قلوبهم لئلا يكون لهم رجوع إلا إلى الله، فإذا سنح لهم أمر فليس لهم إلى الأغيار سبيل، ولا على قلوبهم تعويل. وكم بين من يرجع عند سوانحه إلى قلبه وبين من لا يهتدى إلى شىء إلا إلى ربّه! كما قيل:
(١) مشتبهة، ولكن حسبما نعلم فى مواضع سبقت أن المقصود أن الحق (يتولى) العبد أثناء الفرق الثاني. حيث يعود بالعبد المأخوذ ليقوم بفرائض الشرع، حتى لا يكون فى تحققه مقصرا في شىء من مطالبات الشريعة، ولذا نرجح أن الكلمة الناقصة هى: (ولا يتركه) أو ما فى معناها.