لأن هذه الكلمة على إيجازها لا تكشف لك عن سمات الدقاق وحسب إنما هى سمات، القشيري ذاته فى أدق التفاصيل.
يقول المناوى «هو أبو على الحسن الدقاق النيسابورى الشافعي، كان لسان وقته وإمام عصره، فارها فى العلم، محمود السيرة، مجهود السريرة، جنيدى الطريقة، سرّىّ الحقيقة، أخذ مذهب الشافعي عن القفال والحصرى وغيرهما، وبرع فى الأصول وفى الفقه وفى العربية حتى شدّت إليه الرّحال فى ذلك، ثم أخذ فى العمل، وسلك طريق التصوف، وأخذ عن النصرآباذي، قال ابن شهبه: وزاد عليه حالا ومقاما ... وقد أخذ عنه القشيري صاحب «الرسالة» وله كرامات ظاهرة ومكاشفات باهرة ١٠٤ هـ كلام المناوى بعد أن أخذ يضرب أمثلته لأقواله المنثورة والمنظومة [الكواكب الدرية فى تراجم الصوفية ترجمة الدقاق] .
أمّا فى مجال الصداقة فلعلّ أوثق من نعرف اتصالا به صديقه أبو عبد الرحمن السلمى وصديقه أبو المعالي الجويني إمام الحرمين.
وترجع أهمية السّلمى فى حياة القشيري إلى أنه غزير الإنتاج فى العلوم الصوفية، وأن القشيري استفاد من علمه، وآية ذلك أنك تجد السلمى فى «الرسالة» حلقة اتصال بارزة فى العديد من الأسانيد والأخبار التي عليها يعتمد القشيري موصولة بالدارقطنى والسّراج والنصرآباذي وغيرهم، ولكن الأهم من ذلك- فى تقديرنا- أن القشيري استفاد من السّلمى فائدة أبعد أثرا، ذلك أنه تجنّب التورط فى المزالق التي أدّت بصديقه إلى أن يتّهم وأن يكون موضع نقد معاصريه ومن جاء بعده، وقد نوّهنا بشىء من ذلك عند كلامنا عن «حقائقه» .
أمّا الجويني فقد كان- كالقشيرى- شافعيا من حيث المذهب الفقهي، أشعريا من حيث العقيدة الكلامية، وقد تعرّض- كالقشيرى- لآلام المحنة التي اكتوى بنارها الأشاعرة، والتي سنتحدث عنها بعد قليل، وهاجر البلاد وجاور الحرمين، ولم يعد إلى وطنه إلا بعد انجلاء الغمّة.
وإذا كان السّلمى صديقا أقرب إلى الأستاذ فإن الجويني كان صديقا أقرب إلى التلميذ، فقد استفاد من علم القشيري، فإذا تذكرنا أن الجويني أستاذ الغزالي أمكن أن نقول إن