للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن التكريم ما ألقى عليهم من محبة الخالق حتى أحبوه.

ومن التكريم لقوم توفيق صدق القدم، ولقوم تحقيق علوّ الهمم. قوله: «وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» : سخّر البحر لهم حتى ركبوا فى السفن، وسخّر البرّ لهم حتى قال:

«لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ» .

ويقال محمول الكرام لا يقع، فإن وقع وجد من يأخذ بيده.

ويقال الإشارة فى حملهم فى البرّ ما أوصل إليهم جهرا «١» ، والإشارة بحديث البحر ما أفردهم به من لطائف الأحوال سرّا.

ويقال لمّا حمل بنو آدم الأمانة «٢» حملناهم فى البر، فحمل هو جزاء حمل، حمل هو فعل من لم يكن «٣» وحمل هو فضل من لم يزل.

قوله: «وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» : الرزق الطيب ما كان على ذكر الرازق فمن لم يكن غائبا بقلبه «٤» ولا غافلا عن ربّه استطاب كلّ رزق، وأنشدوا:

يا عاشقى إنى سعدت شرابا ... لو كان حتى علقما أو صابا

قوله: «وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا» : أي الذين فضلناهم على خلق كثير، وليس يريد أن قوما بقوا لم يفضلهم عليهم، ولكن المعنى أنا فضلناهم على كلّ من خلقنا، وذلك التفضيل فى الخلقة. ثم فاضل بين بنى آدم فى شىء آخر هو الخلق الحسن، فجمعهم فى الخلقة- التي يفضلون بها سائر المخلوقات- ومايز بينهم فى الخلق.

ويقال: «كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ» : هذا اللفظ للعموم، والمراد منه الخصوص، وهم المؤمنون، وبذلك يفضل قوم على الباقين، ففضّل أولياءه على كثير ممن لم يبلغوا استحقاق الولاية.


(١) وردت (خيرا) والصواب أن تكون (جهرا) لتقابل سرا) وبذلك يقوى السياق ويتماسك.
(٢) وردت (الاهانة) بالهاء ومن المؤكد أن الميم التبست على الناسخ والمراد (الأمانة) إشارة إلى قوله تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ... الآية» .
(٣) (من لم يكن) هو الإنسان و (من لم يزل) هو الرب سبحانه وتعالى.
(٤) غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق لاشتغال الحس بما ورد عليه، ثم يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره (الرسالة ص ٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>