(إخواني أيامكم قلائل وآثامكم غوائل، ومواعظكم قوائل وأهواؤكم قواتل، فليعتبر الأواخر بالأوائل، يا من يوقن أنه لا شك راحل، وما له زاد ولا رواحل، يا من لج في لجة الهوى متى يرتقي إلى الساحل، هل لا تنبهت من رقاد شامل، وحضرت المواعظ بقلب قابل، وقمت في الدجى قيام عاقل، وكتبت بالدموع سطور الرسائل، تحف بها زفرات الندم كالوسائل، وبعثتها في سفينة دمع سائل لعلها ترسى بساحل، هل من سائل واأسفا لمغرور غفول جاهل، قد أثقل بعد الكهولة بالذنب الكاهل، وضيع في البضاعة وبذر الحاصل، وركن إلى ركن لو رآه مائل، يبني الحصون ويشيد المعاقل، وهو عن شهيد قبره متثاقل، ثم يَدَّعِي بعد هذا أنه عاقل، تالله لقد سبقه الأبطال إلى أعلى المنازل، وهو يؤمل في بطالته فوز العامل، هيهات ما علق بطال بطائل.
(يا كثير الذنوب متى تفضي، يا مقيما وهو في المعنى يمضي، أفنيت الزمان في الهوى ضياعاً، وساكنت غرورا من الأمل وأطماعا، وصرت في طلب الدنيا خبيرا صناعا، تصبح جامعا وتمسي مناعا، فتش على قلبك ولبك فقد ضاعا، تفكر في عمرك فقد ذهب نهبا مشاعا، اترك الهوى محمودا قبل أن يتركك مذموما، إن فاتتك قصبات السبق في الزهد فلا تفوتنك ساعات الندم في التوبة.
(يا من أغصان إخلاصه ذاوية، وصحيفته من الطاعات خاوية، لكنها لكبار الذنوب حاوية، يا من همته أن يملأ الحاوية، كم بينك وبين البطون الطاوية، كم بين طائفة الهدى
والغاوية، اعلم أن أعضاءك في التراب ثاوية، لعلها تتفرد بالجد في زاوية، قبل أن تعجز عند الموت القوة المقاوية، وترى عنق الميزان لقلة الخير لاوية.
(يا من أهلكك الغفلات والفتور والغرور، يا من كان قلبه خربٌ وبور وما فيه من نور، أما لو تفكرت في قبركِ المحفور، وما فيه من الدواهي والأمور، تحت الجنادلِ والصخور، لعلمت موقناً أنك ما كنت إلا في غرور، فتندم ندماً لا يخطرُ على الصدور، ولا يُكْتَبُ بالسطور، لكنه ندمٌ لا ينفعُ في أي أمرٍ من الأمور.