• عجبا لعينٍ أمست بالليل هاجعة، وَنَسِيَت أهوالَ يوم الواقعة، ولأذنٍ تقرعها المواعظ فتضحى لها سامعة، ثم تعود الزواجر عندها ضائعة، ولنفوسٍأضحت في كرم الكريم طامعة، وليست له في حال من الأحوال طائعة، ولأقدامٍ سعت بالهوى في طرق شاسعة، بعد أن وضحت لها سبل فسيحة واسعة، وَلِهِمَمٍ أسرعت في شوارع اللهو شارعة، لم تكن مواعظ العقول لها نافعة، ولقلوبٍ تُضْمِرُ التوبةَ عند الزواجر الرائعة، ثم يختل العزمُ بفعل ما لا يحل مراراً متتابعة.
• كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب، وكم ظلام أسبل ستره وأنت في عجائب، وكم أسبغت عليك نعمه وأنت للمعاصي توائب، وكم صحيفة قد ملأها بالذنوب الكاتب، وكم ينذرك سلب رفيقك وأنت لاعب، يا من يأمن الإقامة قد زُمت الركائب، أفق من سكرتك قبل حسرتك على المعايب، وتذكر نزول حفرتك وهجران الأقارب، وانهض على بساط الرقاد وقل أنا تائب، وبادر تحصيل الفضائل قبل فوت المطالب، فالسائق حثيث والحادي مجد والموت طالب.
• أسفا لغافل لا يفيق بالتعريض حتى يرى التصريح، ولا تبين له جلية الحال إلا في الضريح، كأنه وقد ذكره الموت فأفاق، فانتبه لنفسه وهو في السباق، واشتد به الكرب والتفت الساق بالساق، وتحير في أمره وضاق الخناق، وصار أكبر شهواته توبة من شقاق، هيهات مضى بأوزاره الثقيلة، وخلا بأعماله واستودع مقيله، وغيب في الثرى وقيل لا حيلة، فتفكروا إخواني في ذلك الغريب وتصوروا أسف النادم وقلق المريب فلمثل حاله فليحذر اللبيب وهذا أمر تبعده الآمال وهو والله قريب.
(أيها الغافل زاحم أهل العزم وبادر، فكأن قد نزل بك ما تخاف وتحاذر، فيختم الكتاب على الرذائل، ويفوت تحصيل الفضائل.
(إن مواعظ القرآن تذيب الحديد، وللفهوم كل لحظة زجر جديد وللقلوب النيرة كل يوم به عيد غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد.
• يا غافلاً في بطالته، يا من لا يفيق من سكرته، أين ندمك على ذنوبك أين حسرتك على عيوبك إلى متى تؤذي بالذنب نفسك وتضيع يومك تضييعك أمسك لا مع الصادقين لك قدم ولا مع التائبين لك ندم هلا بسطت في الدجى يداً سائلة وأجريت في السحر دموعاً سائلة.
• لله در أقوامٍ نظروا إلى الأشياء بعيبها، فكشفت لهم العواقب عن غيبها، وأخبرتهم الدنيا بكل عيبها، فشمروا للجد عن سوق العزائم، وأنت في الغفلة نائم.
• أفق من سكرتك أيها الغافل، وتحقق أنك عن قريب راحل، فإنما هي أيام قلائل، فخذ نصيبك من ظل زائل، واقض ما أنت قاض وافعل ما أنت فاعل.